آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
كاظم الموسوي
عن الكاتب :
كاتب عراقي

انتهاء فقاعة واندحار وهم!


 كاظم الموسوي

أعلن رسميا نهاية خرافة معاصرة في أهم مركز لها، بتحرير جامع النوري الكبير، ومنارته الحدباء، في مدينة الموصل الفيحاء، أم الربيعين، الذي أعلن “الخليفة” وهمه، بإعلان “دولة” وعنوانها “خلافة” أو من وظفه له في هذا الجامع، أواخر حزيران/ يونيو 2014، والذي لم يجد تنظيمه أو فلوله وسيلة أخرى للتعبير عن هزيمته وهروبه غير تفجيره وتدميره، بما فيها المنارة التاريخية الحدباء، وهو فضلا عن حرمته كبيت للعبادة تراث ديني ومعلم تاريخي وكنز حضاري معترف به عالميا، ليثبت هذا التنظيم بذلك أو ليكرس تطرفه وغلوه وتوحشه وأهدافه واستخدامه عمليا لأجلها.

دخلت قوات الأمن العراقية بكل صنوفها وتشكيلاتها واسمائها المكان، أو ما تبقى منه، أطلاله وأنقاضه وآثاره، محررة له، موقعا ومكانة ورمزا معبرا عن نهاية فترة وبداية مرحلة. فصارت ساعة التحرير بيان نصر لكل من اشترك في عملية التحرير، وإعلان هزيمة لكل فلول الخرافة منذ إعلان عام 2014، وحتى لمن سبقه. وفي التحرير هذا انتهت تلك الخرافة في المدينة أولا، ولكن المعارك مستمرة والحرب كتاب فيه أبواب وصفحات، قد تكون بعد النصر أصعب من أيام دوي المدافع وصواريخ الطائرات.

صحيح طالت المدة، أكثر من ثلاث سنوات، تحكم تنظيم ما سماه الإعلام “داعش” في هذه المدينة، وغيرها، واختلطت الأوراق في الأسباب والعوامل والدعم والإسناد، من البيئة الحاضنة والمبايعة والنصرة لبقائه، وتوظيف إعلام له بكل وسائله وبقدرات متميزة وطاقات متنوعة، وفرت له فرصا وانتشارا وخدمة أبقت له ملامح وندوبا في تقبل الوقائع الإجرامية ابتداءا، إلى ما دار خلال الفترة وما مد بها ولها، عمليا، وما حملته من أثر ومن مساهمات “خيالية” من أطراف متعددة، محلية وخليجية وإقليمية وتخادم على مختلف الأصعدة. ينبغي إلا تنسى ولا تمر دون حساب. (قد تفضح مسارات الأزمة الخليجية المتصاعدة والمشتعلة هذه الأيام بعضا من تلك الأدوار والخدمات والأموال). وتبقى القصة أطول منها أو لها أبعاد أخرى.

بعد يوم من إعلان دخول داعش المدينة (2014/6/10) وتمكنه من السيطرة عليها، هاتفني صديق عربي أكاديمي مختص بالجماعات الإرهابية متسائلا عن الظروف والإمكانات والكيفية التي تمت بها الجريمة وهو أعرف بتجارب مثلها في أماكن ومناطق وحجج أخرى. أتذكر قلت له أن ما جرى يمكن وصفه بفقاعة كبيرة متقنة الصنع ولكن لا يمكن أن تعيش طويلا رغم كل الظروف والانحيازات والاستقطابات أو الاستغلال لجرائم التنظيم والاستثمار فيها لتنفيذ مخططات ابعد منه. ولعل ما حصل هو جزء من مشروع كبير تقوده دول وتعمل عليه قوى وتصرف له مليارات من الدولارات.. ومهما استمر زمنيا فالنتيجة واضحة عندي، ستكون في يوم ما، قريب بإرادة الشعب وخيار القوى الوطنية والخيرة وعزيمة التحرير والتغيير… إذ لا يمكن أن يقبل سكان نينوى والمدن الأخرى التي احتلت أفكار هذا التنظيم ولا يتحمل بقاءه طويلا مهما بهرته الصورةأاو انسته الفواجع والتظلمات والانشطارات.. وجاء هذا اليوم، نهاية شهر حزيران/ يونيو 2017. انتهى تنظيم داعش عسكريا ومعنويا، وانكشفت الظواهر والوقائع والأحداث، وبانت الخطط والتخادم فيها ومعها، ورغم ذلك فانه وخلال الفترة الماضية وما سبقها صنّع التنظيم بشكل أو أخر تعبيرا عن مشروع سياسي وفكري وأهداف، وشُكّل له، علنا وسرا، مناورة ومواربة، تشكيلات موالية وموازية وعاملة على موروثه لانتهاز مواقع لها في الابتزاز والانقسام، تهديدا صريحا او تضمينا… وهو ما ينبغي الانتباه له والحذر منه، فالخطر لم ينته بعد، بل قد يأخذ أشكالا أخرى له. وهذه أمور معروفة، في الخبرة العملية وسجلات الاحتلال والاستعمار، صفحات كثيرة عن مثل هذه التحركات والحركات، وتتم عبر التجمعات والمؤتمرات والإعلانات عنها ضمن إطار رسمي في أغلب الأحيان وفي تخادم لم يعد كله سريا أو مخفيا. ولعل ما سرب أو فضح عبر ويكيليكس سابقا في كل الشؤون والأمور نموذجا يحتذى وسبيلا إلى انتظار كشف وحساب مفتوح لكثير مما مر  وتم وصار، بالأسماء والأدوار والأرقام والأعداد وبالتفاصيل العريضة. رغم أن بعضها مكشوف ولا يحتاج إلى انتظار، أو حتى تحقيق واثبات.

انتهت الفقاعة بجهود دماء الشهداء والكثير من التضحيات البشرية والمادية، بحجوم كبيرة، عددا وكمية، ولابد من الاهتمام بها والاعتبار لها والا تذهب هباء، ولاسيما وقد تركت وشوما متنوعة، في النفوس والقلوب والعقول، يتطلب لأجلها الإمعان فيها وإعادة التفكير في كل ما سبق، في الأساسيات، في المواقف، في المسيرة، في النتائج، والتداعيات. بمعنى أن مهمات الانتصار لما تزل كبيرة أيضا. لأنها تعتمد أساسا وجوهريا في عمران الأرض والإنسان، وانجاز خطوات تجديد وتحديث الحاضر إلى أعداد مستقبل زاهر، والعراق بلد ثري بكل ما يعد ويحصى وبغيره أيضا، مما ييسر  العمل ويوفر أرضية لما يراد وما يجب أن يكون.

لماذا حصل ما حصل؟ وكيف ظل سائدا طيلة سنوات من عمره في العراق؟!. أسئلة كثيرة وتفتح أبوابا من التساؤلات؟!. الجواب عليها سيسجله التاريخ، ويرصد تطوراتها، ويضع أمام الجميع مهمات صعبة متوالية مما حدث وماذا بعده، ولكنها في كل الأحوال  تبدأ من الانطلاق من الآن وما بعده، من فعل التحرير إلى صنع التغيير، بالإرادة الشعبية  والعمل على عدم تكرار ما حدث، أو استنساخه بألوان أخرى. وفي تجارب التاريخ ودروسه، والانتفاع من عبره، يكون هذا اختبارا حقيقيا لمعدن الوطنية، وإبرازا للموقف الوطني الصادق والمخلص، على محك صلب بمعناه ودلالته، وصعود روح الاشتراك والنضال سوية، كتفا إلى كتف، يدا بيد، بنزاهة النوايا وشجاعة الوفاء، لعراق موحد، حر، مستقل، وديمقراطي تقدمي، يعود إلى دوره في المنطقة والعالم، ويكون قادرا على المشاركة في إنجاز واستتباب الأمن ونشر السلم وتقديم الخبرة وإعطاء المثال والنموذج، داخليا وإقليميا وعالميا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/07/10

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد