قصة وحدث

قصة وحدث: 2 يناير "رأسي بكرامتكم"


وردة علي ..

مع بداية مطلع العام الجديد 2016، كغيره من الأعوام التي يحتفل فيها العالم، برأس السنة الميلادية، مودع عام مضى ترتفع فيه الدعوات بأن يجعل عامهم الجديد أفضل حالا وأمنا وأمانا من الأعوام الماضية، أشرقت شمس صباح الثاني من يناير خجولة بما حملته أشعتها من أنباء غير متوقعة..

صباح السبت استيقظ العالم على نبأ بثته القناة السعودية الرسمية، تنفيذ حكم الإعدام ب47 شخصا متهمة إياهم بالإرهاب، وبطبيعة الإرهاب في مفهوم السلطة السعودية مختلف تماما عن مفهوم الإرهاب المتعارف عليه دوليا وإن حصل به التباس.

47 شخصا خلطت أوراقهم ببعضها، وحرفت مطالبهم وقضاياهم، لتزج ببعض الأحرار في قائمة الإرهاب، وتعطي ستارا وغطاء لتصفية أحرار كانت أقصى مقاصدهم الحرية والإصلاح السياسي والاجتماعي في دولة غاب فيها القانون، والحقوق الإنسانية.

تجمهر الكثير حول شاشة التلفزة، وغاب عنها كثر كونه يوم عطلة، ولم يكن متوقعا أن يبث خبر كهذا مع مطلع عام جديد ويوم عطلة رسمية، نشرت القناة أسماء وصور من نفذت فيهم حكم الإعدام، من بينهم الشيخ الشهيد "نمر باقر النمر"، وثلاثة آخرين هم من أصحاب الرأي، سجنوا وأعدموا لمشاركتهم في مسيرات سلمية في منطقة القطيف.

من هو الشيخ "نمر باقر النمر"؟؟

ولد الشيخ الشهيد "نمر باقر النمر" في العوامية  إحدى مدن القطيف بالمنطقة الشرقية- عام 1379 هـ، وينتمي إلى عائلة رفيعة القدر في المنطقة، برز فيها علماء أفذاذ أبرزهم الشيخ محمد بن ناصر آل نمر (قده)، وخطباء حسينيون كجده من أبيه: الحاج علي بن ناصر آل نمر المدفون إلى جانب أخيه الشيخ محمد بن نمر بمقبرة العوامية.

دراسته و مكانته العلمية..

بدأ دراسته النظامية في مدينة العوامية إلى أن انتهى إلى المرحلة الثانوية؛ ثم هاجر إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية طلباً للعلوم الدينية الشرعية في عام 1399 -1400 هـ، فالتحق بحوزة الإمام القائم (عج) العلمية التي تأسست في نفس سنة هجرته لطهران على يد السيد محمد تقي الحسيني المدرسي (دام ظله)، والتي انتقلت بعد عشر سنوات تقريباً إلى منطقة السيدة زينب (ع) بسوريا.

و بلغ سماحته مرتبة عالية في العلم وهي الاجتهاد، بالإضافة إلى توفيقه بين طلب العلوم الدينية والتدريس والعمل الرسالي.

 "ويعد سماحته أشهر المدرسين وأكفأهم في الوقت الحالي حيث قام سماحته بتدريس المقدمات للعديد من الطلبة في الحلقة العلمية، ومن ثم بدأ بتدريس السطوح ويعد من أفضل المدرسين لكتاب المكاسب، والرسائل، وكفاية، كما قام بتدريس كتاب اللمعة الدمشقية مرات عديدة في الحوزة العلمية في إيران وسوريا"، كما ودرس كتاب جامع المدارك، ومستمسك العروة الوثقى، والحلقات للسيد محمد باقر الصدر، وغيرها من الدروس الحوزوية.

 و تخرج على يديه ثلة من العلماء الأفاضل الذين مارسوا ويمارسون الأدوار الدينية والاجتماعية والقيادية في مجتمعاتهم، وتولى إدارة حوزة الإمام القائم (عج) بطهران وسوريا لعدة سنوات، وكان من أعمدتها و إدارييها المتميزين، ساهم مع زملائه العلماء في تطويرها وتقدمها.

نظرة ثاقبة في المستجدات الواقعة..

تمتع الشيخ الشهيد بنظرة ثاقبة في المستجدات الواقعة، وبرؤية تحليلية دقيقة وموضوعية لمجريات الواقع الاجتماعي والسياسي، وذلك لارتباطه الشديد بالقرآن الحكيم، وهدى السنة المطهرة، وبما لديه من ثقافة غزيرة ومتنوعة.

 وامتاز بنفاذ البصيرة والقدرة على استشراف المستقبل يعتمد على أهم مرتكزين وهما: الوحي: (القرآن والسنة المطهرة). 2- العقل، والذي يمثل مع الوحي (فقه القيم). والمقدرة على تطبيقها على أرض الواقع (فقه الواقع) مما أكسبت تحليلاته  الدقة والموضوعية والواقعية، وبراعة في الكشف عما وراء الأحداث، وهذا يعود لما يمتلكه سماحته من مقومات عقلية وعلمية.

 اهتمامه بالتراث الديني ومطالبته بها..

 في عام 1425 هـ طالب الشهيد بإقامة مهرجان بسيط تحت عنوان: (البقيع حدث مغيب) وقد تعرض هذا المهرجان لتدخل أمني من قبل السلطات السعودية، مما أدى إلى المنع من إقامة المهرجان،  بحجة "إقامة شركيات في بلاد التوحيد"، مما سبب ذلك استدعاء سماحة الشيخ من قبل السلطة، حيث تم تطويق منزله بسيارات رجال المباحث، وقد رفض مصاحبتهم مفضلاً أن يأتي بسيارته، وقد قاموا بالضغط على سماحته ليلغيه.

وفي عام 1428 هـ قدم سماحته لنائب أمير المنطقة الشرقية عريضة نموذجية غير مسبوقة تجسد المطالب الشيعية في المملكة، وقد أثنى على هذه المطالب المعارض السعودي السني: سعد الفقيه، بالرغم من أنه كان يحرض الحكومة في ثنايا مدحه، ويدين علماء السنة ويلفتهم للتعلم من الشيخ النمر كيفية المطالبة وفي أي أمر يطالبون به.

في ليلة العاشر من شهر محرم لعام 1429 هـ نادى سماحته بتشكيل (جبهة المعارضة الرشيدة)، والتي من وظيفتها ومسؤولياتها -حسب ما ورد في محاضرته تلك- معارضة الفساد: الاجتماعي والكهنوت الديني والظلم السياسي الواقع على المواطنين الشيعة في السعودية.

الاعتقالات وبعض المضايقات التي مر بها سماحته:

  الاستدعاءات المتكررة من دون إذن مكتوب، ولكنه لم يتجاوب معها، في عام 1424 هـ اعتقل سماحته بعد إقامة صلاة الجمعة في (ساحة كربلاء)، واستمرارها لعدة أسابيع، وقد طلبوا منه - بالإضافة إلى ترك إقامة صلاة الجمعة والبرامج المختلفة- إزالة بناء المبني في ساحة كربلاء ليطلق سراحه.

 وفي عام 1425 هـ اُستدعي سماحته من قبل السلطات من أجل إلغاء مهرجان البقيع "البقيع، حدث مغيب"، وفي عام 1426 هـ أُستدعي سماحته أيضاً من أجل إلغاء مهرجان البقيع (البقيع الخطوة الأولى لبنائه)، وقد استمر بقاء الشيخ في المعتقل من الساعة التاسعة والنصف صباحاً حتى الواحدة ظهراً، وقد أخذ منهم وعوداً بأن يعطى حقه في المطالبة بالبناء وغيرها من المطالبات.

 في عام 1427 هـ اعتقل سماحته  أثناء  عودته من البحرين من (مؤتمر القرآن الكريم) التي أقامته ممثلية  السيد محمد تقي الحسيني المدرسي (دام ظله)، واقتيد من على جسر الملك فهد إلى المعتقل، وذلك بسبب التقارير المكذوبة، وقد أهين في المعتقل جسدياً ومعنوياً بسبب جملة من المطالبات في إطار حقوق الطائفة الشيعية منها تدريس المذهب الشيعي في المدارس، وبناء البقيع، والمحاضرات التي يلقيها، وقد استمر اعتقال الشيخ قرابة الأسبوع، وبطول الاعتقال خرجت مظاهرة في مدينة العوامية عجلت بخروج سماحته.

 في عام 1429هـ استدعي سماحته إلى محافظة القطيف، و رحل إلى إمارة الدمام ومنها إلى المعتقل وأُجبر على أثرها على التوقيع بعدم إلقاء الخطب - وبالتحديد الجمعة- والدروس، فرفض الشيخ ذلك، مما أدى لسجنه انفرادي بقرار من وزير الداخلية، أو يتوقف عن إلقاء الخطب حتى مدة مؤقتة لم يحدد مقدارها، فسجن، ولم يستمر الاعتقال أكثر من يوماً وليلة.

القطيف كغيرها من المدن العربية تأثرت مع يُسمى بالربيع العربي..

في عام 2011 وكباقي مدن ودول عربية تأثرت الشرقية ومنها القطيف مع ما يُسمى بالربيع العربي، فخرجت مُظاهرات ومسيرات سلمية في مناطق مختلفة من القطيف من بينها مسقط رأس الشيخ الشهيد  العوامية..

طالب المشاركون فيها بعدة مطالب إصلاحية على المستوى السياسي والديني والاجتماعي، سُجن على إثرها ناشطون و كتاب وأصحاب رأي، كما استخدمت السلطات الرصاص الحي ضد المتظاهرون مما أدى إلى استشهاد عشرات الشبان وإصابات بعضها بليغة.

كان الشهيد النمر أحد المؤيدين لحركة الاحتجاجات المعارضة والمشاركين فيها بشكل مباشر، والتي اندلعت في المنطقة الشرقية عام 2011 ، والتي رفعت شعارات تطالب "بإنهاء واقع التهميش والتمييز الطائفي والإفراج عن التسعة المنسيين، وخروج قوات درع الجزيرة من البحرين.

المنهج السلمي في رفع المطالب..

تمسك الشيخ النمر بمنهجه السلمي الواعي طوال فترة الاحتجاجات السلمية التي شهدتها القطيف، إذا أن السلمية كانت جزءا أساسيا في الحركة المطلبية الإصلاحية، وكان الوعي الذي يتحلى به سماحته تُرجم ذلك في خطبه وكلماته على المنبر أو خلال مشاركته المباشرة في المسرات، وكانت من أبرز كلماته "زئير الكلمة  أقوى من أزيز الرصاص"، بالإضافة إلى كلمات أخرى فندت أكاذيب السلطة التي اتهمته بالإرهاب و زعزعة الاستقرار والأمن الوطني، و إثارة الفتنة.

الاعتقال الأخير في طريق الحرية..

في 8 يوليو 2012 اعتقل الشيخ الشهيد بطريقة غير إنسانية حيث قامت السلطات بمطاردته، و الاصطدام بسيارته وإطلاق النار على رجليه بشكل مباشر مما أدى إلى إصابته، وشُوهدت مكان الحادث بقعة دم على الأرض والسيارة مصطدمة بالحائط، وتخلو السيارة من الداخل من أي دماء، اعتبره ناشطون دليل على أن إصابته تمت بعد الاعتقال وبعد سحبه خارج السيارة، كما أنه اصطدم بالحائط لمضايقة الدورية له ولم يصطدم بأي سيارة من سياراتهم.

التعذيب والسجن الانفرادي..

تعرض الشيخ الشهيد "نمر باقر النمر" خلال سجنه الانفرادي إلى التعذيب الجسدي واللفظي، ظل صامدا وسط ظلمة السجن و وحشية السجان. و خط عذاباته وصموده و صبره وشجاعته في المرافعة التي كتبها بنفسه، لتكون شاهدة على الحقيقة مهما حاول الطغاة تغييبها.

محاكمة الإرهاب تُحاكم العدالة..

بدأت محاكمة الشيخ الشهيد في 25 مارس 2013 ، و في 15 أكتوبر 2014، حكم عليه بالقتل تعزيرًا من المحكمة الجزائية بالمملكة السعودية.

مطلع 2016 في 2 يناير صباحا أُعلن تنفيذ حكم الإعدام عن طريق بيان وزارة الداخلية السعودية و تزامن حكم إعدامه مع إعدام 46 آخرين في قضايا تتعلق بالإرهاب و نفذت الإعدامات في 12 منطقة من مناطق المملكة السعودية ، وزعمت السلطات بأن الشيخ النمر ساعد إرهابيين أدى لاحتجاجات في القطيف، (إشارة منها إلى المتظاهرين السلميين).

بعد نبأ تنفيذ حكم الإعدام أدانت 144 منظمة من 12 دولة عربية، إعدام السعودية الشيخ "نمر باقر النمر"، وأعربت عن قلقها لاستخدامها السياسي للإعدام في تصفية أصحاب الرأي. كما انطلقت مظاهرات حاشدة في عدة دول عربية وغربية منددة ومستنكرة إقدام السلطات السعودية لإعدام الشيخ الشهيد وثلاثة آخرين من أصحاب الرأي.

هكذا خطت دماء الشيخ النمر كرامة شعب طالب بحريته، وحقه المسلوب في التعبير عن الرأي، ليُخلده التاريخ بطلا في قافلة العظماء الذين علت رؤوسهم لحظة الإعدام وبقت هامتهم مرفوعة فوق سيف الجلاد.

أضيف بتاريخ :2018/01/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد