آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سعادة مصطفى أرشيد
عن الكاتب :
*سياسيّ فلسطينيّ مقيم في الضفة الغربية.

قمة بلاد الشام الجديدة ولكن بدون شامها…

 

سعادة مصطفى أرشيد
قبيل قمة عمّان التي عُقدت الثلاثاء بين الملك الأردني عبدالله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، كانت صحيفة «واشنطن بوست» Washington Post قد أجرت مقابلة مع الكاظمي، ذكر فيها أنه سيطرح على قمة عمّان الثلاثية مشروعاً يحمل اسم «بلاد الشام الجديدة» والتي ستقوم وفقاً للنسق الأوروبي، فيما أوضح النائب في البرلمان العراقي عقيل الرديني بعضاً من تفاصيل المشروع، مذكراً بأنّ المشروع ليس بجديد وإنما تمّ الإعداد له أثناء رئاسة حيدر العبادي للحكومة العراقية، بالتشاور مع جهات دولية، وأنّ المشروع سيقوم على أساس التفاهمات الاقتصادية والسياسية بين العراق ومصر أساساً. فالعراق يمتلك الثروة النفطيّة ومصر تملك الإمكانات البشرية فيما تستطيع الأردن الدخول على الخط للاستفادة من تقديم الخدمات لكلّ من العراق ومصر، وانّ ما يجمع هذه الدول مع بعضها هو انتماؤها إلى مدرسة الاعتدال، فيما ذكر نائب آخر في البرلمان العراقي عامر الفايز أنّ عقد القمة الثلاثية في عمّان مدعوم دولياً.
يعيش العراق منذ عام 2003 في أسوأ أوضاعه، فحتى أكثر كارهي النظام البعثي ورئيسه، عادوا يترحّمون على تلك الأيام ويدركون جمالها، طبعاً مقارنة بما يعانون من الحكومات التي تعاقبت على حكمهم، والتي قادتها شخصيات مزدوجة الولاء بين متناقضين، فهم بشكل من الأشكال محسوبون على طهران وينالون دعمها، وفي الوقت ذاته مقرّبون ومدعومون من واشنطن الراضية عنهم والتي تدعمهم، وهم يملكون قاسماً مشتركاً ثالثاً يجمعهم وهو الفساد بأقبح وأكثر نماذجه انحطاطاً.
وعراق اليوم يعيش أبناؤه عيشة ضنكى يضنيهم الجوع وينهكهم الفقر وتفتك بهم الأمراض، فيما المال العام يُسرق بمعدلات وأرقام عجيبة، وتنعدم القدرة عند المؤسسات السياسية سواء الحاكمة أو المعارضة على الوصول إلى تفاهمات وتوافقات حدّ أدنى، وعلى الاتفاق على خطوط عريضة حول معظم القضايا الداخلية والخارجية على حدّ سواء، والمواطنة لم يعد أحد يتحدّث عنها إذ عاد الشيعة إلى شيعيتهم والسنة إلى سنيتهم، ويكاد يخلو العراق من الكلدان والآشوريين والمندائين، فيما يعلن الأكراد عن تناقض هويتهم القومية مع الهوية العراقية الجامعة، وكادوا مؤخراً أن يعلنوا استقلالهم وانفصالهم لولا رحمة الجغرافيا التي حالت دون تحقيق مشروعهم الانفصالي.
مع أنّ مشروعاً يحمل اسم بلاد الشام قد أطربني وأثار لواعجي لفترة قصيرة، إلا أنّ ما تسرّب من معلومات شحيحة عن هذا المشروع سرعان ما أزعجني، ومع أني لا أعرف كثيراً عن المشروع إلا انه على غير العادة لا يُقرأ من عنوانه، ففي داخله ما يتناقض مع اسمه الصريح، وثمة مجموعة من الأسئلة التي يمكن طرحها وإنْ كانت في معظمها بصيغة استنكارية أكثر منها بصيغة استفهامية، أولها كيف يمكن لمشروع يحمل اسم بلاد الشام أن يستثني الشام منها؟ وثانيها أنّ بذور فشل النسق الأوروبي الذي يريد الكاظمي تقليده والعمل على هديه قد أينعت وحان قطافها، وعوامل تفكك هذا النسق في تسارع، ومنها ما حصل مع اليونان في أزمتها الاقتصادية وما حصل مع إيطاليا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي جراء جائحة الكورونا، إذ تخلى الكلّ عن الكلّ، وما يحصل اليوم من خلاف حول ترسيم الحدود البحرية ومدّ خطوط الغاز، وقد يقود إلى مواجهة مباشرة بين تحالف يضمّ تركيا وإيطاليا وآخر تقوده فرنسا ويضمّ مصر و(إسرائيل)، النسق الأوروبي فاشل ودول أوروبا في طريق عودتها إلى قومياتها الأصلية وإلى عملاتها القديمة وحدودها المعروفة، وثالثها أنّ الكاظمي يفترض انّ العراق يمتلك الثروة النفطية، وقد غاب عنه أنّ النفط لم تعد له قيمة وأنّ إمكانية استنهاض أسعاره سوف تأخذ وقتاً طويلاً، وأنّ العالم ذاهب في طريق إنتاج طاقة بديلة أكثر نظافة وأقلّ تلويثاً للبيئة، ورابعها أن لا أموال في الدول الثلاث المشاركة في القمة لتنقلها من بلد إلى آخر، فالبلدان الثلاثة تعاني من أزمات مالية مستعصية تجعل من حكوماتها بالكاد تستطيع تأمين رواتب الجيش والقطاع العام، وتدار موازناتها السنوية بطريقة المياومة لضيق ذات اليد، وخامسها ما هي الدول والقوى الدولية التي تقدّم الدعم الدولي لمشروع «بلاد الشام الجديدة» والتي ترعى القمة وما هي مصلحتها؟ هذا غيض من فيض أسئلة برسم الإجابة استنكاراً أو استفهاماً.

كانت ضرورات الجغرافيا السياسية قد منحت حكام العراق ترف اللعب بين قوى متعادلة، إيران القوة الأولى في العراق والإقليم، تملك تأييد الجمهور الأكبر من شيعة العراق وآيات الله في النجف، والولايات المتحدة القوة الأكبر عالمياً والمتمركزة في العراق والمنطقة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولكن مصر لا تملك هذا الترف، فهي لا تستطيع الدخول في محور أو حتى علاقة مع إيران، بسبب عداء النظام العالمي الرأسمالي لإيران التي تخوض ومحورها حروباً مباشرة وغير مباشرة مع المشاريع الغربية في الشام والعراق وغزة واليمن وأفغانستان، ومصر لا تريد أن تكون في محور إقليمي آخر تقوده تركيا ويضمّ الإخوان المسلمين، العدو اللدود للرئيس السيسي والذي ينظر إليه باعتباره غاصباً للسلطة، لذلك لم يجد النظام في مصر بدّاً من الانتماء للمحور الثالث الإسرائيلي – الجمهوري الأميركي، الذي يرى في السيسي رئيساً شرعياً لا انقلابياً، ويضمّ هذا المحور السعودية والإمارات وسودان البرهان ويمن عبد ربه منصور هادي وليبيا الماريشال خليفة حفتر. ومصر لا تكتفي بهذا المحور وإنما تنضمّ إلى محور متوسطي آخر تقوده فرنسا و»إسرائيل» ويضمّ بالإضافة لمن ذكر قبرص واليونان، يهدف إلى قطع الطريق على خط الغاز التركي الليبي لصالح خط الغاز المنطلق من سواحل فلسطين المحتلة إلى اليونان، والذي يهدف أيضاً إلى منافسة خطوط الغاز الروسية والتي تمثل عموداً فقرياً للاقتصاد الروسي. هذا فيما مصر تترنح من ضربات كورونا والفقر والفشل في إدارة ملفات الاقتصاد، وملفات الإرهاب في سيناء، وتعجز عن التصدّي لمشروع سدّ النهضة وتبحث عن تسويات مع إثيوبيا من موقع الضعيف العاجز، وتبدي استعجالاً للتورّط في المستنقع الليبي المعقد والمليء بتصفية الحسابات والمترامي الأطراف.
الأردن بدورها تعاني من انقطاع الدعم المالي الخليجي والذي كان يأتيها بأيام الخير متقطعاً، وغير منتظم وبشقّ الأنفس ويتطلب زيارات المسؤولين الأردنيين من أعلى المستويات للحصول على دفعاته بالتقسيط والتقتير والاشتراطات المزعجة، ويعاني من جائحة كورونا وإضرابات المعلمين ويعاني من تراجع في الحياة السياسية وهو مقبل على انتخابات يقدّر الخبراء أنّ الإقبال الشعبي على المشاركة فيها سيكون ضعيفاً، ولكن أخطر ما يعانيه الأردن، هو بسبب شركائه في اتفاقية «وادي عربة» والذين لا يخفون رغبتهم في الانقلاب على تلك الاتفاقية، افترض الأردن الرسمي عام 1994 أنّ اتفاقية «وادي عربة» قد ضمنت الأردن إلى الأبد كوطن نهائي للأردنيين، ولكن الرؤى اليمينية الإسرائيلية عند من يحكم في تل أبيب، ومن سيحكم في منظور الزمن القادم، لا يرى في الأردن إلا وطناً للفلسطينيين، وما مشروع ضمّ الأغوار والمستوطنات وشمال البحر الميت وبرية الخليل، الذي يتمّ تنفيذه الآن (رغم ما يدّعيه محمد بن زايد) بطريقة القضم الناعم، إلا خطوة على طريق مشروع تحويل الأردن إلى فلسطين، فيما لا يستطيع الأردن فعل شيء سوى الشكوى والاعتراض اللفظي والإعلامي الذي لا يقدّم ولا يؤخر من الأمر في شيء.
تحدث البيان الختامي لقمة عمّان السريعة، عن إجماع القادة الثلاثة على مركزية القضية الفلسطينية، وضرورة تفعيل الجهود للوصول إلى حلّ عادل وشامل يلبّي حاجات وتطلعات الفلسطينيين بالدولة المستقلة، على حدود الرابع من حزيران 1967، مذكراً أنّ ذلك يجب أن يكون وفق القانون الدولي والشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، باستثناء العبارة الأخيرة التي تشير إلى توجّس المؤتمرين من الاتفاق الإماراتي – «الإسرائيلي»، فإنّ جميع ما ورد ليس إلا كلاماً مكرراً وهذراً لا معنى له، ولا يصدّق أحد جدّيته، وبضاعة لا تجد من يشتريها.
وتحدث البيان عن سدّ النهضة، وعلى أنّ أمن مصر المائي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، وعلى ضرورة التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن، مستند إلى القانون الدولي، وإلى الحوار، ولكن إثيوبيا قد أتمّت بناء السدّ وأخذت تملأه، وقد أصبح القانون الدولي والحوار مسألة قد تجاوزها الزمن وتجاوزتها السياسة الإثيوبية ولا أظنها ستبدي أدنى اهتمام بالبيان الختامي.
وتحدث البيان عن الوقوف المشترك مع سيادة العراق وعن حماية أمنه واستقراره، وعن النصر الكبير الذي أحرزه في الانتصار على الإرهاب، في حين أنّ البيئة التي رعاها الكاظمي أثناء توليه مسؤولية الأمن العراقي قد ساهمت في خلق بيئة وحاضنة للإرهاب لا يمكن القضاء عليها بالقوة العسكرية والعقلية الأمنية فقط، وهي وانْ كمنت مؤقتاً، إلا أنها لا تزال مؤهّلة لإنتاج أجيال جديدة وأنواع جديدة من الإرهاب.
وتحدث البيان عن خطورة مشروع الضمّ الإسرائيلي، ودور هذه الخطوة في تقويض جهود السلام، وعن مدينة القدس والدور الهاشمي في رعايتها والحفاظ على عروبتها وهويتها.
وتحدّث البيان عن وباء كورونا وتداعياته وعن أزمات سورية واليمن وليبيا وضرورة حلها.

قاسم مشترك يجمع الأردن ومصر من دون العراق، وهو العلاقة مع تل أبيب، في حين تبدو العراق أنها تسير على الطريق ذاتها، ولكن بغير استعجال، فما دام النفوذ الإيراني قائماً، لن تستطيع أية حكومة عراقية الإقدام على مثل هذه الخطوة وإنْ رغبت بها، لذلك يرى العراق في العلاقة مع الأردن ومصر بديلاً مؤقتاً للعلاقة والاتصال المباشر مع تل أبيب، وهو يرى بأنّ مرور العلاقة عبر عمّان والقاهرة أفضل له من مرورها عبر الخط الساخن الجديد والذي يمرّ عبر أبو ظبي.
كلّ ما ورد في البيان، يعبّر عن أزمة التهميش التي يعاني منها المؤتمرون، ولم يكن ينقصهم إلا حضور رام الله كطرف مهمّش رابع، ويأتي في إطار لزوم ما لا يلزم، أما ماذا بحث القادة من أمور أكثر جدية مما ورد في بيان القمة الختامي، فهذا ما سنعرفه لاحقاً.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2020/08/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد