آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد سيد أحمد
عن الكاتب :
أستاذ جامعي مصري وكاتب ومفكر سياسي

العلاقات المغربيّة – الصهيونيّة «التاريخيّة» تتوّج رسمياً!

 

د. محمد سيد أحمد

مفاجأة مدوّية أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي سيترك موقعه في البيت الأبيض خلال أيام، وكعادته وعبر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر حيث قال: «إنجاز تاريخي آخر فقد اتفق اثنان من أكبر أصدقائنا «إسرائيل» والمغرب على علاقات دبلوماسية كاملة»، وتأتي هذه المفاجأة في إطار خطة الخداع الاستراتيجي التي يقوم بها ترامب في أيامه الأخيرة في سدة الحكم، ففي الوقت الذي كانت تتجه الأنظار صوب المملكة العربية السعودية باعتبارها الدولة المرشحة بقوة لدخول حظيرة التطبيع مع العدو الصهيوني وعبر وساطة أميركية، تأتي هذه الخطوة المغربية غير المتوقعة في هذا التوقيت، خاصة أنه لم يكن هناك مؤشرات معلنة بذلك على عكس ما حدث مع الإمارات والبحرين والسودان.
وكردّ فعل مقابل لتغريدة ترامب «أعلن الديوان الملكي المغربي أنّ ترامب أبلغ الملك محمد السادس باعتراف الولايات المتحدة الأميركية لأول مرة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وأنّ واشنطن قرّرت فتح قنصلية في مدينة الداخلة لتشجيع الاستثمارات والتنمية»، ويكون هذا هو الثمن البخس للتطبيع مع العدو الصهيوني، وفي المقابل «شكر رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو ملك المغرب، وقال إنّ شعبي إسرائيل والمغرب تربطهما علاقة حميمة في العصر الحديث، وإنّ إسرائيل ستبدأ بإنشاء مكاتب اتصال مع المغرب كخطوة أولى لعملية التطبيع»…
هنا مربط الفرس، فالعلاقة الحميمة التي يتحدّث عنها رئيس وزراء العدو الصهيونيّ ليست بين الشعبين على حدّ زعمه إنما هي علاقة سرية بين مسؤولي البلدين، يرفضها بالقطع الشعب العربي المغربي الذي يعي جيداً أنّ العدو الصهيوني هو العدو الأول لأمتنا العربية. ومهما عقد الحكام من اتفاقيات رسمية مزعومة معه لن يؤدي ذلك لتطبيع شعبي، وستظلّ القوى الشعبية ترفع شعار المقاومة إلى أن يزول العدو الصهيوني من فوق الخريطة العربية.
وعلى الرغم من مفاجأة اللحظة في ما يتعلق بالإعلان عن الاتفاق بين المغرب والعدو الصهيوني، إلا أنّ تاريخ العلاقات بينهما يؤكد أنّ المغرب كانت مؤهّلة وبقوة لهذه الخطوة، فوالد الملك الحالي الحسن الثاني الذي صعد إلى العرش في عام 1961 غيّر معادلة المغرب من العدو الصهيوني، فالمغاربة كما العديد من شعوب الدول العربية كانوا في حالة حرب مع العدو الصهيوني منذ العام 1948 وانخرطت مجموعات من المغاربة في جيش المتطوّعين العرب للمشاركة في الحرب العربية – الصهيونية واستشهد بعضهم في معارك القدس ويافا وحيفا، وخلال الفترة من 1961 وحتى 1964 نفذ الموساد العملية الشهيرة «ياخين» والتي هجر خلالها بشكل سري أكثر من 97 ألف يهودي مغربي عبر أوروبا إلى فلسطين المحتلة.
 ووفقاً لشلومو غازيت المدير الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية لصحيفة يديعوت أحرونوت «إنّ الملك الحسن الثاني قام بالتعاون مع الموساد بشكل سريّ في تسجيل مناقشات الحكام العرب عن صراع محتمل ضدّ «إسرائيل» خلال قمة عام 1965 المنعقدة في الدار البيضاء وهي التسجيلات التي ساعدت الجيش الإسرائيلي بشكل كبير على التحضير لحرب 1967»، وأضافت الصحيفة «أنّ فريق من الموساد بقيادة رافي إيتان وصل إلى المغرب وخصّص لهم الملك الحسن الثاني طابقاً كاملاً في الفندق نفسه الذي اجتمع فيه القادة العرب للقيام بعملية التجسّس إلا أنه قبل انعقاد المؤتمر بيوم واحد طلب من عملاء الموساد بمغادرة الفندق خوفاً من ملاحظة الضيوف العرب لهم، وروى رافي إيتان قائلاً، ولكن على الفور بعد انتهاء المؤتمر قام الملك الحسن الثاني بإعطائنا كلّ المعلومات اللازمة ولم يحرمنا من شيء».             
وفي عام 1986 سقطت ورقة التوت رسمياً عن العلاقات بين الملك الحسن الثاني والعدو الصهيوني حيث استقبل الحسن الثاني رئيس وزراء العدو الصهيوني شمعون بيريز في مطار إفران واجتمع به في العاصمة الرباط رغم الاحتجاجات العنيفة من الشعب المغربي وإدانة جامعة الدول العربية، ومع ذلك لم يعط الحسن الثاني أيّ اهتمام لهذه الاحتجاجات والإدانات واستمر في الحفاظ على علاقته بالعدو الصهيوني، وفي عام 1994 فتح العدو الصهيوني مكتب اتصال له في المغرب، وفتحت بعدها المغرب مكتب اتصال في الأراضي المحتلة، كما سمح العدو الصهيوني في عام 1996 بوجود بعثة دبلوماسية مغربية لدى السلطة الفلسطينية في غزة ثم انتقلت بعد ذلك إلى رام الله، وفي عام 1999 عبر بيريز عن تعازيه الحارة في صديقه الحسن الثاني، وشارك في جنازته نحو 200 شخصية رسمية صهيونية.

ولم تتوقف العلاقات المغربية – الصهيونية بوفاة الملك الحسن الثاني، بل استمرت مع صعود ولده محمد السادس لسدة الحكم، فعلى الرغم من إغلاق مكتب الاتصال المغربي في فلسطين المحتلة والمكتب الصهيوني في الرباط على خلفية الممارسات القمعية ضدّ الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 نتيجة الضغط الشعبي للمغاربة، إلا أنه في عام 2003 وصل إلى الرباط وزير الخارجية الصهيوني سليفان شالوم حاملاً رسالة من رئيس وزرائه أرييل شارون للملك محمد السادس تمّ على آثارها استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح مكاتب الاتصال في المغرب وفلسطين المحتلة، وفي عام 2007 عقد اجتماع بين وزيرة خارجية العدو الصهيوني تسيبي ليفني ووزير خارجية المغرب محمد بن عيسى في باريس، وأعلنت القناة 13 الإسرائيلية أنه في العام 2019 التقى رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطه سراً في نيويورك خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة وتناقشا عن تطبيع العلاقات، وفي 10 كانون الأول/ ديسمبر 2020 أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الاتفاق المزعوم بين المغرب والعدو الصهيوني بوساطة أميركية كالعادة.
ويتضح من تاريخ العلاقات المغربية – الصهيونية أنّ الخطوة جاءت متأخرة كثيراً. فالعلاقة بينهما متجذرة منذ زمن بعيد على المستوى الرسمي، لكن سيظلّ الشعب العربي المغربي يقاوم عمليات التطبيع وسيظل رافعاً راية العداء للصهاينة كما فعل من قبل الشعب المصري والأردني والفلسطيني، فالاتفاقيات الرسمية المزعومة من قبل الحكام العرب لم تؤثر في الموقف الشعبي، وهو الموقف الصلب الذي لا يلين في مواجهة العدو الصهيوني، اللهم بلغت اللهم فاشهد.        

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2020/12/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد