آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
آسيا العتروس
عن الكاتب :
كاتبة وصحافية تونسية

قضية خاشقجي.. واشنطن لا تدرك ان حقوق الانسان كل لا يتجزأ


آسيا العتروس

لايختلف اثنان أن جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي جريمة بشعة وان مرتكبيها يتفوقون على الشيطان في القدرة على التوحش في أسوإ مظاهره وأنهم لا يتساوون فيما أقدموا عليه إلا مع الدواعش والإرهابيين المتعطشين للدم والذين لا يترددون في قطع ونحر الرقاب وتقطيع الأوصال الآدمية… ولكن ما يمكن أن يختلف بشأنه متتبعو الأحداث منذ تاريخ تلك الجريمة قبل سنتين أن تتحول إلى ورقة مقايضة والى كلمة حق لا يراد بها حق بل يراد بها باطل ومواصلة لعبة الابتزاز…وها انه وبعد كل ما جناه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من صفقات واتفاقات عسكرية وسياسية وغيرها على خلفية الجريمة فان الرئيس بايدن يسجل حضوره على الخط في الملف ليقطف بدوره ما أمكن من ثمار الجريمة التي يبقى من حق الضحية ومن حق عائلته وحق السعوديين أيضا معرفة الحقيقة الكاملة بشأنها ومحاسبة المسؤولية محاسبة عادلة حتى لا تكون جريمة خاشقجي مجرد  شماعة لأطراف متنفذة لتجعلها مغارة علي بابا للإدارات الأمريكية التي لا تخفي جشعها وطمعها في ثروات المملكة مرة برفع ورقة حقوق الإنسان وأخرى برفع راية ضمان امن المملكة…ومن هذا المنطلق كان من الطبيعي أن يكون الرد السعودي الرسمي رافضا للتقرير الأمريكي بشأن جريمة خاشقجي الذي  يحمل ولي العهد المسؤولية فيها والأكيد أن المخابرات الأمريكية  لا يمكن أن تكون عنوانا للعدالة الدولية العرجاء ولا أن تنصب نفسها حارسا عليها.
والأكيد أيضا أن قائمة الملفات والجرائم التي تورط الإدارات الأمريكية المتعاقبة من بنما إلى فيتنام وليبيا والعراق وأفغانستان وسوريا لا يتسلل إليها الشك وهو ما جعل الإدارات الأمريكية تحرص على  ضمان الحصانة لقواتها حيثما تكون وترفض مساءلتها أو محاسبتها تحت أي ذريعة كانت.. طبعا ونحن هنا لا نتحدث عن كل الجرائم الإسرائيلية وكل الاغتيالات المنظمة التي اقترفت بضوء اخضر أمريكي ولم يكتب لأي منها أن تمثل أمام العدالة الدولية..
لسنا في إطار توزيع صكوك البراءة أو رفع أصابع الاتهام عن أي طرف متورط في جريمة اغتيال خاشقجي الذي كان احد اقرب المقربين من دائرة سلطة القرار في المملكة واحد صناديقها السوداء المطلعة على كل أسرارها قبل أن يتحول إلى معارض وينتقل إلى واشنطن ثم يخطط للوصول إلى تركيا حيث ستكون نهايته المشينة..
عاد ملف اغتيال الصحفي جمال خاشقجي إلى سطح الأحداث مع تدشين إدارة الرئيس جو بايدن مهامها..وإذا كان الرئيس السابق دونالد ترامب تعاطى على طريقته مع الجريمة واعتمد سياسة البقرة الحلوب لفرض كل أنواع الصفقات والاتفاقات العسكرية على المملكة وضمان مزيد التمويلات للخزانة الأمريكية فضلا عن تحقيق أهداف صفقة القرن التي ستقود لاحقا لإطلاق قطار التطبيع المجاني مع خمس دول عربية بينها بلدان خليجيان وهما الإمارات والبحرين عل أمل التحاق المزيد لولا فشل ترامب في الانتخابات الرئاسية ونهاية مرحلة الشعبوية المفرطة التي قادته إلى البيت الأبيض… الرئيس الأمريكي بايدن أصر ومنذ بداية عهدته على انه سيتصل بالعاهل السعودي الملك سلمان وانه لا مجال للتواصل مع ولي العهد تاركا المجال واسعا لكل التأويلات والتوقعات بنشر البيت الأبيض تقريرا للاستخبارات الأمريكية حول ما خفي من تفاصيل بشان الجريمة البشعة التي كان مسرحها القنصلية السعودية باسطنبول  ولمزيد التشويق غاب عن الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأمريكي والعاهل السعودي أي إشارة عن ملف خاشقجي وانحصر الاهتمام حول العلاقات بين البلدين وهي علاقات مصالح بامتياز بالنظر إلى الدور الأمريكي المتنفذ في المنطقة منذ اكتشاف الثروات النفطية التي تزخر بها والتي ستتحول من نعمة إلى نقمة على مدى العقود ..
المهم أنه بعد شهر على تولي الرئيس بايدن مهامه ظهر التقرير الاستخباراتي الأمريكي الجديد ليفرض قائمة جديدة من القيود والعقوبات وذلك بمقتضى قانون «ماغنيتسكي الدولي للمساءلة حول حقوق الإنسان» باستهداف مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والفساد في جميع أنحاء العالم…
من حق السعودية ألا ترضخ للابتزاز والمساومات وإلا تظل البقرة الحلوب المدرة للذهب لكل من أراد ذلك ولكن هذا أيضا لا يمكن أن يتحقق دون استعادة المملكة قراراها في هذا الملف وغيره من ملفات حقوق الإنسان ودون كشف الحقيقة في هذه الجريمة التي اهتز لوقعها العالم.. والأكيد أنه أمام المملكة فرصة للدفع باتجاه تغيير البحث عن طريق ثالث غير السائد والمألوف في لعبة المصالح الديبلوماسية سواء مع دول التعاون الخليجي أو غيرها وإعادة النظر جديا في ملف اليمن وفي العلاقات مع طهران والانتباه إلى حقيقة واحدة لا تقبل التشكيك في كل الأزمات ومنذ عقود وأن إسرائيل كانت ولا تزال المستفيد الأول والأكبر من كل ما يحدث ومن كل الصراعات والانشقاقات وحروب الاستنزاف وان تتجه الى تغيير العقليات وتقبل بجرأة على الإصلاحات الموعودة ومعركة  تحرير العقول وإطلاق التطوير الحقيقي ورفع القيود المجحفة عن الأجيال وإخراج الإصلاحات المعلنة من الشعارات إلى ارض الواقع… طبعا لن يكون الأمر هينا ولكن لا مفر من ذلك حتى لا تبقى المملكة رهينة الابتزاز المعلن لملف حقوق الإنسان الذي يدعي الغرب الدفاع عنه..

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2021/03/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد