التقارير

تقرير خاص: محاولات لإخراج نظام #البحرين من أزماته عبر ’القضاء’.. هل يدفع الشعب لترك السلمية؟

 

".. عندما أزور بلدا ما لا أتفحص جودة قوانينه، لأن القوانين الجيدة موجودة في كل مكان، بل أتفحص إذا كان القانون يطبق أم لا.."، هذا ما قاله المفكر والقانوني المشهور مونتيسكيو، وكلام الأخير محق وينطبق عندما يكون القانون في دولة ديمقراطية يعبر عن إرادة الشعب وتتولى السلطات المختصة عميلة تنفيذه نيابة عن المواطن.

 

ولكن المسألة تصبح أكثر تعقيدا عندما تكون القوانين تعبر عن إرادة الحاكم المنفردة بحيث يضمنها أفكاره ورغباته دون أدنى عودة لما يريده هذا الشعب كله أو معظمه، فهنا لا مجال للحديث أصلا عن قوانين جيدة للبحث لاحقا عن جودة التطبيق من عدمه، فطالما أن الأساس تشوبه العيوب بالتأكيد أن ما ينتج عنه سيكون متضمنا عيوبا كثيرة.

والقانون عندما لا يكون معبرا عن إرادة الناس يصبح مجرد شعارات ومصطلحات لن تجد طريقها لتحقيق العدالة أو إحقاق الحق في المجتمع، وبعد ذلك ستغيب الكثير من المبادئ القانونية التي يفترض وجودها في الدولة الديمقراطية أو دولة القانون والمؤسسات، ومن هذه المبادئ التي تعتبر حجر أساس تبنى عليها الدولة هو مبدأ الفصل بين السلطات، وبالتالي ستضيع معه استقلالية السلطة القضائية التي من المفترض أن تحكم باسم الشعب، وسيصبح الحكم باسم الحاكم أو السلطة التي عينت القضاة ويطبق القانون الذي يعبر عن إرادة نفس الحاكم، فالقانون هو إرادة الحاكم والقضاء يحكم باسمه بتطبيق القانون المعبر عن رغباته.

 

القضاء في البحرين.. والاستخدامات السياسية!!

وبتطبيق هذا الكلام النظري يمكننا الإشارة إلى ما يجري في هذه الأيام في "مملكة البحرين" من استخدامات سياسية للقضاء عبر إصدار العديد من الأحكام المثيرة للجدل على الصعيد القانوني والحقوقي، فقد صدرت مؤخرا العديد من الأحكام بحق عدد من نشطاء الرأي والشبان الذين عبروا عن آرائهم اعتقادا منهم بأن ذلك من حقوقهم كبشر، وقد وصلت بعض هذه الأحكام إلى السجن المؤبد وأخرى إلى حدود 15 سنة حبس، كما صدر حكم من محكمة الاستئناف شدد حكم المحكمة الابتدائية بحق أمين عام جمعية "الوفاق" المعارضة الشيخ علي سلمان، حيث تم مضاعفة الحكم بالحبس من 4 سنوات إلى 9 سنوات، بما يدلل على خلفية هذه الأحكام الصادرة عن "سلطة قضائية"، فهل فعلا هذه الأحكام هي أحكام قضائية حقيقية أم صورية؟ وهل يمكن وصف هذه الأحكام بأنها ذات طابع سياسي؟

وانطلاقا من ذلك كيف يمكن القبول بإصدار أحكام بالإعدام ردا على آراء سياسية، وأليس ذلك يتضمن انتهاكا موصوفا لحقوق الإنسان ومخالفا لكل الأعراف والاتفاقيات الدولية الراعية لها؟ وهل يسمح القانون الدولي العام بإصدار هكذا قرارات وعقوبات على نشطاء الرأي وعلى من يعبر عن رأيه لا سيما السياسي منه؟ وأي منطق قانوني أو أخلاقي أو عقلي يقبل بهذه القسوة والشدة في الأحكام بحق معارضين للنظام الحاكم؟ حتى ولو وصل الأمر بالمعارضين إلى المطالبة بإسقاط النظام أو تغييره طالما بقي ذلك في إطار الرأي السياسي السلمي والتعبير الحر عن الرأي دون مخالفة القوانين لا سيما الدساتير والاتفاقيات الدولية الراعية للحقوق والحريات.

وبالعودة إلى كلام مونتيسكيو المذكور أعلاه، بالتأكيد أن الأحكام "القضائية-السياسية" التي صدرت ستتضمن الكثير من الأفعال الجرمية التي ستنسب لمن يعبر عن رأيه ولكل من يحاول التحدث بغير ما يريده النظام الحاكم، فهذا الأمر من "موجبات" استكمال فصول "مسرحية" الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في البحرين، بينما الواقع بالتأكيد مختلف عما يخرج به الإعلام الذي يروج لنزاهة وشفافية السلطات المعنية هناك، فما بين النصوص والتطبيق تكمن "كلمة السر"، وكما يقول الشاعر: "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم.."، فمن زيف القانون وسيطر على القضاء لن يصعب عليه بعد ذلك وضع سيناريوهات وإعمال المخيلات السينمائية للإيحاء أن مؤامرات تحاك للإطاحة بالنظام وأن اعتداءات استهدفت رجال الأمن هنا وهناك وأن دولا خارجية تدس الدسائس لإثارة البلبلة والقلاقل وغيرها من مصطلحات ما عادت تنطلي على الرأي العام العالمي أو الإقليمي والمحلي.

 

المطالب المحقة والردود غير المتوازنة...

ومن الطبيعي جدا أن يكون في بلد من البلدان معارضة وهذا حق مشروع لأي مواطن، كما أن لأي مواطن معارض للنظام والسلطات الحاكمة أن يطالب بالإصلاح والتغيير، سواء فيما يتعلق بشكل نظام الحكم أو القوانين الموجودة أو بالسلطات الممنوحة للحاكم وعائلته وحاشياتهم، بما يراه "المواطن" متناسبا مع وضع البلد بحسب وجهة نظره، وأكثر من ذلك حتى لو سلمنا جدلا بجواز أن القانون يجرم مجرد الحديث في الإصلاح والتغيير، هل يعقل أن تكون العقوبات قاسية لدرجة الإعدام أو المؤبد أو الحبس لسنوات طويلة؟ وهل توجد دولة ديمقراطية في العالم في العام 2016 تدعي التطور والتقدم ما تزال تقتل معارضيها وتسجنهم لسنوات طويلة كما يحصل في بعض الدول الخليجية ولا سيما في مملكة البحرين؟

 

وبالتحليل السياسي قد يسأل سائل، ما الهدف الحقيقي من وراء هذه الأحكام القاسية والمنافية للمنطق والقانون؟ هل الهدف فقط محاولة كمّ الأفواه ومنع خروج الأصوات المعارضة في البحرين؟ ويكون الهدف هو بعث رسالة واضحة لكل من يريد التعبير عن رأيه أن المشانق جاهزة والسجون مفتوحة لكل من يرغب بمخالفة إرادة الحاكم وسلطته الاستنسابية المطلقة، فهل هكذا يتم التعاطي مع الآراء المخالفة لرأي النظام؟ وهل بهذا الأسلوب يمكن بناء الثقة المفقودة أصلا بين الشعب والسلطات الحاكمة في البحرين؟ وإلى أين يمكن أن تؤدي هذه الأحكام في نهاية المطاف؟

قد يعتبر البعض أن الهدف الحقيقي لهذه الأحكام هو أن النظام في البحرين بات اليوم يرفع تدريجيا وتيرة حدته وقسوته العلنية ضد الشعب لممارسة المزيد من الضغوط على المعارضة والحراك السلمي في البلاد لإخراجه عن سلميته المستمرة والمميزة منذ سنوات في المطالبة بحقوقه، فالسلطات ربما تسعى لإبعاد الناس عن السلمية وأتباع مناهج أخرى بما يعطي النظام "مشروعية صورية" يعتقد من خلالها أنه يمكنه كسب ثقة الرأي العام العالمي بأنه يتعرض لما يجيز له قمع هذا الشعب ويبرر له استخدام القسوة وكل أصناف العذاب، ويبدو أن نظام البحريني بدأ صبره ينفذ أمام حلم ورباطة جأش الشعب البحريني الذي ما ترك سلميته يوما في أحلك الظروف، وهو يمارس ذلك بوعي تام، وستوصل ذلك من أجل الحفاظ على وطنه أولا ونيل حقوقه المشروعة كاملة ورفع الظلم السلطات الحاكمة.

 

سلمية الشعب أخرجت النظام عن طوره؟

وطالما أكد الشيخ علي سلمان نفسه على هذه السلمية، وهو الذي قال في جلسة لـ"محاكمته" في شهر كانون الثاني/يناير الماضي إن ".. محبة هذا الوطن وأهله والبحث عن مصالحه وتحقيق الديمقراطية والمساواة وتوزيع عادل للثروة يستحق مني مواصلة النضال السلمي الذي بدأته منذ 20 عام مهما كانت صعوباته وعلى الملك أخذ مبادرة لتحقيق صيغه دستورية ديمقراطية عريقة، عبر حوار وطني جاد ينتج الحل ويبعد البحرين عن التأثيرات السلبية لاضطرابات المنطقة"، وقد شدد الشيخ سلمان على "الدعوة في المساهمة لتحقيق الديمقراطية وفق معايير دولية.."، ودعا "المجتمع الدولي متمثلا في الأمم المتحدة والأمين العام بان كي مون لمساندة البحرين والخروج من الأزمة الراهنة بين الشعب والسلطة...".

وحملة النظام البحريني التصاعدية بدأت من فترة، بتمديده اعتقال الشيخ سلمان لعدة مرات بدون مبررات قانونية لا سيما أن اعتقاله بالأصل ليس قانونيا، ومن ثم استمرت حفلة التصعيد بمنع رجال الدين من التعاطي بالشأن السياسي لا سيما من يعتلون المنابر، ولتأتي الأحكام السياسية التي ألبست "لبوس" الصبغة القضائية لتنذر بخطورة النهج الذي تسلكه الجهات الرسمية في البحرين، مما يستوجب من الشعب أعلى درجات الوعي والحكمة والالتزام بما تراه قياداته الرصينة والتنبه إلى إمكانية وجود أفخاخ نصبت له لجره إلى مواجهة ما لتشويه صورة المعارضة السلمية والحراك المدني الديمقراطي للشعب البحريني تمهيدا لتصفية هذا الحراك ولتبرير ممارسات غير بريئة يتم التحضير لها.

 

لذلك يجب أن يكون رد الشعب البحريني دائما بالسلمية وعدم إعطاء الفرصة لأحد للانقضاض عليه بل للتمسك بمطالبه المحقة وفضح ممارسات النظام الحاكم وتوثيق كل الانتهاكات التي تحصل لاستخدامها بالشكل الصحيح سياسيا وإعلاميا لتبيان حقيقة هذا النظام أمام الرأي العام الدولي والعربي وكل من يدعمه ويتعامل معه إقليميا ودوليا، عله يتحرك الأحرار في هذا العالم ومعهم كل المنظمات الدولية والمؤسسات الإنسانية لإيجاد حل سلمي للأزمة في البحرين ولرفع التعسف عن البحرينيين الذين طالما تحلوا بالصبر والثبات والوعي وأتقنوا تصويب "البوصلة" بالاتجاه الصحيح في كل قضايا الأمة في الماضي والحاضر...

أضيف بتاريخ :2016/06/01