فيروس سياسي ينهش العالم.. فيروس سياسي ينهش العالم
آسيا العتروس
العالم كله يقف حائرا أمام جائحة كورونا التي اتت حتى الان على مليوني شخص في مختلف انحاء العالم ..اذ وبرغم البشائر المتواترة منذ نهاية العام 2020 بشأن التوصل الى لقاح يخلص الانسانية من فيروس العصر إلا أنه يبدو ان هذه البشرى مؤجلة الى حين بعد ان بدأت الانباء تتواتر بشأن تعطل امكانية توفر اللقاح لكل المجتمعات على قدم المساواة وأنه سيتعين الانتظار اسابيع وربما اشهر الى حين توفر ما يكفي من اللقاحات الموعودة التي اتزمت الصحة العالمية والامم المتحدة وفق منظومة كوفاكس بتوفيرها على اعتبار ان العالم محكوم بميثاق اخلاقي وإنساني يفترض التعاطي مع الجائحة بحد الادنى من الضمير الانساني.. لسنا نريد استباق الاحداث ونحاول التعاطي مع اخبار الجائحة وفق ما توفره منظمة الصحة العالمية من اخبار يومية ووفق ما تنشره ايضا اللجنة العلمية المعنية في كل بلد على حدة.. من الواضح حتى الان ان موجة الضحايا بسبب الفيروس في ارتفاع غير مسبوق وموجة الاصابات أيضا لا تتوقف والصحة العالمية تصر على ان القادم أسوا وأنه من السابق لأوانه معرفة منشأ الفيروس.. اغلب دول العالم عادت الى خيار اغلاق حدودها ودفع مواطنيها الى العزلة من جديد.. خيار مكلف اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ونفسيا ايضا وتداعياته بدأت تتضح من خلال الارقام المفزعة للارتفاع نسق الفقر والبطالة والإفلاس الذي يهدد الاقتصاديات الكبرى والصغرى..
كيف فشلنا في قراءة دروس كورونا؟
العالم في حيرة والسبب ليس في النسق التصاعدي لعدد الضحايا والمصابين الذي لم يخرج تقريبا عن توقعات مختلف الخبراء وعلماء الفيروسات منذ خروج فيروس كورونا من مدينة ووهان الصينية الى بقية انحاء العالم ولكن مبعث الحيرة انه لا احد اليوم ايا كان موقعه بإمكانه ان يتوقع موعد نهاية الجائحة واختفاء الفيروس الذي يدخل عامه الثاني اكثر قسوة وضراوة على الضعفاء.. وحتى الامل الضعيف الذي ولد مع اعلان انتصار العقل البشري والتوصل الى تحديد لقاح فعال للفيروس في تراجع مستمر أمام الغموض الذي يرافق الفوز بالصفقات للحصول على اللقاح الذي يبدوانه سيكون من نصيب الاقدر.. ربما لم يخطئ الرئيس الامريكي دونالد ترامب المثير للجدل عندما وصف الفيروس بأنه سياسي وكان اول من اعتمد هذا الوصف مع بداية ظهور الفيروس عندما جعل منه معركة مع الصين بالدرجة الاولى محملا بيكين مسؤولية ظهور الفيروس.. طبعا لم يكن ترامب الغارق في شعبويته يمتلك دليلا واحدا على ذلك ولكنه وجد في اعتماد شماعة المؤامرة ما يمكن ان يجنبه الانتقادات الكثيرة التي رافقت فشله الذريع في تطويق الفيروس بل انه شجع الامريكيين على مواصلة سياسة اللامبالاة في مواجهة الخطر الذي سيجعل امريكا على راس الدول الاكثر ضحايا بسبب الفيروس وها ان خسائرها تتجاوز الاربع مائة الف والرئيس الجديد بايدن يحذر من حصيلة قد تتجاوز النصف مليون.. رقم مرعب ما في ذلك شك وقد ساهم بشكل مباشر ترامب بخطاباته ورقصاته «الدونكشوتية في تأزيم الوضع في بلاده وفي تأجيل الامل في توفر لقاح يجنب العالم كارثة انسانية ليس بالأمر القائم على الاقل حتى هذه المرحلة…
صحيح ان العالم اليوم ازاء فيروس متحول قادر على المراوغة والمغالطة والتسلل للفتك بأقوى المنظومات الصحية وأكثرها استعدادا لمثل هذه الاوبئة …والأرجح انه وبعد اكثر من سنة على ظهور هذا الفيروس التاجي انه سيواصل العبث بحسابات صناع القرار في العالم وقلب كل الاولويات رأسا على عقب قبل ان يتوارى ويتراجع خطره…
العالم امام فيروس سياسي بامتياز وهو فيروس مدمر ولا يمكن لاي حكومة او بلد مواجهته على انفراد ومع ذلك فلا يبدو حتى الان ان صناع القرار في العالم استوعبوا دروس كورونا وكل ما حمله في طياته من معاناة منذ الصدمة الاولى التي اصابت شعوب العالم وهي تتابع محنة ايطاليا خلال الموجة الاولى للفيروس عندما اصيبت مؤسساتها الطبية بالشلل ووقفت عاجزة عن نجدة جيل من المسنين في ايطاليا وإنقاذهم من الموت.. ولا ايضا عندما بكى الرئيس الايطالي متهما دول الاتحاد الاوروبي بالتخلي عن بلاده في تلك المرحلة … وسيتكرر السيناريو في فرنسا وفي اسبانيا وفي بريطانيا وكندا حتى في المانيا التي يفترض ان لديها منظومة صحية افضل بكثير من نظيراتها الاوروبية.. وقد اختار العالم سياسة الهروب الى الامام على اعتبار انه في منأى من الجائحة التي اثبت انها لا تفرق بين مسلم أو مسيحي أو يهودي او بوذي ولا بين مؤمن او كافر ولا بين ابيض او اسود ولا بين غني او فقير ولا بين مسلح او اعزل..وكذبت بالتالي اصحاب الفتاوى ومروجي نظرية غضب السماء وان الفيروس نقمة من الخالق استهدفت الصينيين بسبب امتهانهم للمسلمين في سينغ تيان..وحتى الان يبدو أن الصين تكاد تكون الاقل تأثرا بالجائحة والأكثر قدرة على تطويق الفيروس والتحكم في انتشاره وقد عاد اهالي ووهان الى حياة شبه طبيعية وحتى منظمة الصحة العالمية لم تجزم بشأن منشأ الفيروس وتعتبر أن الامر معقد وربما يصعب الفصل فيه بشكل نهائي … وحتى لا نستثني انفسنا فنحن ايضا في تونس علينا الاعتراف بالفشل في التعاطي مع الفيروس وعدم الاستفادة من دروس الموجة الاولى التي انتهت بوفاة خمسين شخصا بالفيروس المستجد وها نحن اليوم نتجاوز عتبة الستة آلاف ضحية ونتخطى المائة وفاة في اليوم وهو رقم يبلغ عشرة اضعاف ما تم تسجيله في الموجة الاولى من الفيروس عندما اظهر المواطن التونسي درجة لا يستهان بها من الوعي وحرص على اتباع مختلف النصائح التي كانت اللجنة العلمية تصر على التذكير بها من تعقيم ومن تباعد اجتماعي ومن التزام بوضع الكمامة وهي الشروط او النصائح التي نراها اليوم تتلاشى في الاماكن العامة وفي وسائل النقل بعد ان باتت غائبة تقريبا الومضات الاشهارية عن المنابر الاعلامية وعن الصفحات الاولى للصحف …والأكيد انه سيتعين على تونس بعد انتهاء الجائحة ان تستعد لمواجهة تداعياته الاقتصادية والاجتماعية وجروحه النفسية ولكن وهذا الاهم والأخطر ارث الجائحة على تكوين وتعليم وتثقيف الجيل الجديد..
منذ البداية كان للفيروس وجه اخر وهو سياسي بامتياز ظهر جليا خلال حرب الكمامات والتنافس الشرس على افتكاك الصفقات بكل الطرق المتاحة ..ولم تشفع كل اللقاءات الافتراضية بين قادة العالم والأمم المتحدة في تغيير قواعد اللعبة او السعي للحد من التداعيات الخطيرة للفيروس على الاقل حظا والأقل امكانيات في مواجهة الجائحة التي تواصل الفتك بالجميع …الفيروس سياسي وبامتياز ومعه يظهر جيل سيعرف بعد سنوات بانه جيل الكورونا الذي عايش نشر الجهل والأمية والتخلف مع استمرار غلق المدارس والجامعات وحرمان ملايين الاطفال من المعرفة والعلم وتحول الالاف الاخرين كرها لا طوعا الى عمالة أو فريسة لعبودية العصر لأنه سيتعين عليهم ان تلتقط لقمة العيش وأن يوفروا لذويهم ما يحتاجونه في زمن الوباء الذي يواصل تعميق الفوارق بين الامم والشعوب ويواصل زرع الجهل ونشر الفقر والعودة بهم سنوات او ربما عقودا الى الوراء…
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2021/01/26