قصة وحدث: #الجزائر : مليون شهيد حتّى النصر
سجى الزين ..
بألف و مئتي مجاهد و بقطع سلاح لم يناهز عددها الأربعمئة، انطلقت الثورة ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي والتي قام بها الشعب الجزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية حيث نتج عنها في النهاية انتـزاع الجزائر لاستقلالها بعد استعمار دام أكثر من 130 عاماً.
المقاومة تهب الفخر
الواحد منّا إذا ما جاب الجزائر سيجد في كلّ ناحية منها مواطناً يفخر بانتمائه لوطن مقاومة بحجم العالم العربي لا بل أكبر، مقاومة استطاعت دحر مستعمر مارس على مدى 130 عاماً أعتى أوجه الظلم والاضطهاد.
لم تكن المقاومة يوماً وليدة لحظتها، فهي غالباً ما تأتي من رحم معاناة شعب أبى أن يرزح تحت نير الاستعمار، رافضاً كل أشكال العبودية والإذلال والاستغلال، شعبٌ لم يرضَ بالرضوخ، مؤمناً بأنّ "أحداً لن يستطيع أن يركب ظهرك إلا إذا انحنيت له".
وهذا ما انطبق على الثورة الجزائرية التي انطلقت رصاصتها الأولى في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1954، حيث كانت تتويجاً لأكثر من سبعين عاماً من النضال، إلّا أنّ هذه الحركة الأخيرة كانت الأقوى والأشمل ودفعت الجزائر ثمنها أكثر من مليون شهيد أزهروا نصراً.
تاريخ نضالي طويل
كانت الجزائر خلال العهد العثماني من أقوى الدول في حوض البحر الأبيض المتوسط، وكانت تتمتع باستقلال كامل مكنها من ربط علاقات سياسية وتجارية مع أغلب دول العالم.
إلى أن اتُفق على إضعافها وكان الطرح في مؤتمر فيينا والتوقيع في مؤتمر " إكس لا شابيل " عام 1819 حيث وافقت 30 دولة أوربية على فكرة القضاء على الجزائر وأسندت المهمة إلى فرنسا وانكلترا، استعملت فرنسا حادثة المروحة التي وقعت في إبريل/ نيسان 1827 لكي تكون سببا لاحتلالها للجزائر، وفي 25 مايو/ أيار 1830م انطلقت الحملة الفرنسية تجاه الشواطئ الجزائرية من ميناء طولون.
وتمت المواجهة الأولى بين الطرفين والتي هزم فيها الجيش الجزائري وفتح هذا الانهزام الباب واسعا أمام احتلال مدينة الجزائر فقد تمكنت القوات الفرنسية من الوصول إلى المدينة وإرغام الداي حسين على توقيع معاهدة.
إلّا أنّ مجموعة من رؤساء القبائل والأعراش الجزائرية عقدوا مؤتمرا قرّروا فيه عدم الاستسلام للفرنسيين ونتيجة لذلك ظهرت مجموعة من المقاومين. وكانت شدة المقاومة سببا في انسحاب القوات الفرنسية عدة مرات من بعض المناطق.
وفي الفترة الممتدة من العام 1830 إلى العام 1954 شهدت الجزائر حركات نضالية بقيادة كل من الأمير عبد القادر الجزائري في الغرب والباي الحاج أحمد في الشرق، تلتها بعد ذلك انتفاضات شعبية، واستطاعت تحقيق الانتصارات تارةً ومنيت بهزائم تارة أخرى، كما شهدت العديد من الأحزاب التي ساهمت إلى حدّ كبير في إزكاء روح الثورة، و حلّ عددٌ كبير كمها على يد سلطات الاستعمار الفرنسي الذي سعى بكل ما أوتي إلى زعزعة الاستقرار لاستكمال السيطرة، فقد شن الاستعمار سلسلة من القوانين منها الذي يهدف من خلالها إلى تقييد واضطهاد الجزائريين وتفكيك وحدتهم الاجتماعية والاقتصادية.
الحركة الوطنية الجزائرية وانطلاق ثورة الفاتح
أمام هذا الواقع وجدت الحركة الوطنية الجزائرية نفسها أمام خيار واحد لاسترجاع الحرية والاستقلال، وهو الكفاح المسلح، لهذا بدأ الحزب بتحضير الكفاح المسلح، على الرغم من الأوضاع الصعبة سواء تعلق الأمر بالضغوط والتشديد الفرنسي، أو تلك الأزمة التي عرفها حزب الشعب الجزائري نفسه.
وتمّ تحديد تاريخ الأول من نوفمبر 1954 لانطلاق الكفاح المسلح تحت لواء جبهة التحرير الوطني الجزائرية.
في البداية اقتصر الكفاح المسلح على تنفيذ عمليات وهجمات ضد ممثلي النظام الاستعماري ورموزه، وبدءاً من سنة 1956 أصبح هذا الكفاح حرباً تحريرية حقيقية تبناها كل الشعب على المستوى الريفي أو الحضري، ومن جهة أخرى تواصلت العمليات العسكرية، بقيادة جيش التحرير انطلاقاً من الحدود المغربية والتونسية.
وصار العمل على تدويل القضية الجزائرية عبر النشاط الدبلوماسي المكثف، وإدراج القضية ضمن جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ولم يكتف الجزائريون بطلب إصلاحات، بل كافحوا بالسلاح ضد المؤسسات الاستعمارية، لإحداث تغيرات اجتماعية هامة ممثلة من طرف فلاحين تقلدوا مسؤوليات معتبرة ونساء جزائريات مساهمات في المعركة التحريرية كالرجال وشخصية جزائرية معترف بها من طرف عدة دول حاضرة على الساحة الدولية، كل هذه العوامل والتغيرات التي تجذّرت غداة الحرب، هي التي تسمح بالتكلم على ثورة تحريرية حقيقية.
وقد بدأت هذه الثورة بقيام مجموعات صغيرة من الثوار المزودين بأسلحة قديمة وبنادق صيد وبعض الألغام بعمليات عسكرية استهدفت مراكز الجيش الفرنسي ومواقعه في أنحاء مختلفة من البلاد وفي وقت واحد. ومع انطلاق الرصاصة الأولى للثورة، تمّ توزيع بيان على الشعب الجزائري يحمل توقيع الأمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني. ودعا البيان جميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات الاجتماعية وجميع الأحزاب والحركات الجزائرية إلى الانضمام إلى الكفاح التحريري ودون أدنى اعتبار آخر. وتمّ تشكيل الأمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني من تسعة أعضاء.
الاستعمار الفرنسي في وجه الثورة
لم يكن سهلاً القضاء على ثورة أول نوفمبر، على الرغم من الأوضاع الصعبة التي انطلقت فيها الثورة من ندرة الأسلحة، وعمليات التمشيط، وصعوبات الاتصالات، إلى محاولة كل منطقة أن تقود الجماهير الشعبية بحسب ظروفها وأن تساند المجاهدين بجميع الأسلحة ومناوشة العدو ومواجهة عملياته الوحشية، كما حاول المسؤولون في الخارج إظهار صورة الجزائر المقاومة وعملوا على تزويدها بالأسلحة.
مليون شهيد
شهدت الثورة التي دامت حوالي الثماني سنوات فترة من الكفاح المسلح والعمل السياسي، وسقط فيها أكثر من مليون ونصف مليون شهيد جزائري، من هنا استحقت الجزائر لقب بلد المليون ونصف المليون شهيد في الوطن العربي.
فقد دارت الحرب بين الجيش الفرنسي والثوار الجزائريين، الذين استخدموا حرب العصابات بصفتها الوسيلة الأكثر ملاءمة لمحاربة قوة جرَّارة مجهزة أكبر تجهيز، خصوصاً وأن الثوار لم يكونوا يملكون تسليحاً معادلاً لتسليح الفرنسيين. استخدم الثوار الجزائريون الحرب البسيكولوجية بصفة متكاملة مع العمليات العسكرية.
كان الجيش الفرنسي يتكون من قوات الكوماندوز والمظليين والمرتزقة متعددة الجنسيات، وقوات حفظ الأمن، وقوات الاحتياط، والقوات الإضافية من السكان الأصليين أو من أطلق عليهم اسم الحركة.. كل تلك القدرات والإمكانيات لم تكن شيء أمام الإرادة والاستعداد للمواجهة والتضحية لمن هم أصحاب الحق وإن طال الزمن ومهما عظمت التضحيات.
فالاستعمار الفرنسي الذي كان يهدف إلى إلغاء الوجود المادي والمعنوي للشعب الجزائري، وأن يكون هذا البلد تابعًا لفرنسا حيث تعددت وسائل الفرنسيين لكسر وحدة الجزائريين وعقيدتهم، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل وتحطمت أمام صلابة هذا الشعب وتضحياته وتماسكه.. فقد حظيت قوات جيش التحرير الوطني التابعة للفرع العسكري من جبهة التحرير الوطني على تأييد الشعب الجزائري الكامل، بل والجالية الجزائرية في المهجر، وخاصة في فرنسا.
إعلان الاستقلال
انتهت الحرب بإعلان استقلال الجزائر في 5 يوليو/ تموز 1962، وهو نفس التاريخ الذي أعلن فيه احتلال الجزائر في سنة 1830. وقد تلا إعلان الاستقلال الجنرال شارل ديغول عبر التلفزيون، مخاطباً الشعب الفرنسي.
جاءَ الاستقلال نتيجة استفتاء تقرير المصير للفاتح، المنصوص علية في اتفاقيات إيفيان في 18 مارس/ آذار 1962، وأعلن على إثره ميلاد الجمهورية الجزائرية في 25 من سبتمبر ومغادرة مليون من الفرنسيين المعمّرين بالجزائر منذ سنة 1830
الشعب الجزائري .. درس للقوى الاستعمارية
لقد كافح الشعب الجزائري قبل العام 1954 سنين طوال منها بالسلاح ومنها بالسياسة دون تحقيق المآل، إلّا أنّه عاد يدحض كل الادّعاءات التي وصفت الجزائر بالقلب الميت، انتفضت الشعوب و أدهشت العالم و أثبتت أنّ "ما أخذ بالقوة، لا يسترد بغير القوّة" و أنّ الحرية تستحق بذل الغالي و النفيس في سبيلها.
لقد استفادت المقاومة الجزائرية من تجارب 130 عاماً من النضال المسلح و السياسي ووظفتها لتحرك ثورة قويّة لا تشوبها شائبة، رغم الصعوبة الجمة التي تكمن في توحيد شعب ضد استعمار بثّ سمومه وأودى بالخصومة السياسة إلى حدّ العفونة. لقد أعطت رغم كل ذلك درساً للقوى الاستعمارية بأن الشعوب العربية قادرة على المقاومة، إذا ما الشعب بكل أطيافه وبروحه أراد الحياة، وقد كان أبو القاسمي الشابي نصب أعينهم إذ خطّ قبل وفاته أبياتاً -تنبئ بثورة في دولة شقيقة- يتسلح بها كل مقاوم كلّ ثائر .. ويمضي.. ليخضع القدر لإرادته..
أضيف بتاريخ :2016/11/01