قصة وحدث: ١٩٩١ بداية ’قضية لوكربي’ والولايات المتحدة وبريطانيا تتهمان ليبيا
٢٥٩ شخصا جميعم غادروا الحياة، كانوا على متن طائرة تابعة لشركة "PAN AMERICAN WORLD AIR LINES"يوم الأربعاء 21 ديسمبر 1988م، انفجرت أثناء تحليقها فوق قرية لوكربي، الواقعة في مدينة دمفريز وغالواي الأسكتلندية غربي إنجلترا.
حادثة بهذا الحجم وما خلفته من ألم ومعاناة لذوي الضحايا، اضطرت على أقره عائلات الضحايا ومنذ وقوع الحادث، بتأسيس مجموعة ضغط فعالة ذات صوت عال وتنادي بالقبض على مرتكبي الجريمة وبالعقوبات وبأي شيء من شأنه يشبه تطبيق عدالة ما.
وبعد سنوات من التحقيق تنقلت الاتهامات شرقاً وغرباً وفق مصالح الطرف القوى الولايات المتحدة، وقد ألقيت المسؤولية أولاً على منظمة فلسطينية، ثم على سوريا، وبعدها على إيران، وأخيراً وقع الاختيار على ليبيا.
وبعد تحقيقات ليست معلنة، وبعد تكهنات من وسائل الإعلام بتدوير المسؤولية بين دول مختلفة، يجمع بينها رابط العداء لأمريكا وحركات تحرير تضعها أمريكا في خانة المنظمات الإرهابية، وبالتزامن صدر في الولايات المتحدة الأميركية و بريطانيا في 13 نوفمبر 1991 أمرا بالقبض على مواطنين ليبيين يشتبه في مسؤليتها عن تفجير الطائرة كونهما يعملان بمكتب شركة الخطوط الجوية الليبية بمطار لوقا بمالطا وبمعرفتهما تم شحن حقيبة تحتوي على متفجرات.
على الفور رفضت ليبيا الطلب وبدأ القضاء الليبي التحقيق في الاتهام وأوقف المواطنان الليبيان وطلب من الدولتين تقديم مالديهما من أدلة ضدّهما، إلا أن الدولتين أصرتا على طلبهما ورفضت ليبيا الاستجابة ، لما رأته حسب ما أعلنته من اتهامات باطلة تثيرها الدولتان دون توفّر أية الدولة لديهما.
بدأت الدولتان بأستغلال تاثيرهما في التحرك داخل مجلس الأمن حتّى تمكنتا من إصدار قرار من المجلس المذكور في 31 مارس 1992 يحمل الرقم 748 بأغلبية 10 أصوات بينها دولة عربية وامتناع 5 أعضاء عن التصويت، يوجب على ليبيا الاستجابة لطلب الدولتين، ويهدد بفرض عقوبات عليها من بينها حظر الطيران منها واليها.
رفضت ليبيا الاستجابة لهذا القرار وتم فعلا توقيع العقوبات في الموعد المضروب كأجل نهائي وهو 15 أبريل 1992، وتحت ضغط أميركي بريطاني مشترك أصدر مجلس الأمن الدولي في 11 نوفمبر من نفس العام باستصدار قرار برقم 883 يطوّر من نوع العقوبات المفروضة ويوسّعها لاجبار ليبيا على الاذعان لمطالب الدولتين.
شملت العقوبات على ليبيا، حظر الطيران منها وإليها، ومنع تصدير الأسلحة، وتقليص العلاقات التجارية والدبلوماسية معها، ثم تزايدت العقوبات، وتنوعت، واستمر الحصار على الجماهيرية تحت مظلة الأمم المتحدة، وأمينها العام آنذاك بطرس بطرس غالي، ورغم ما جره هذا الحصار من معاناة للشعب الليبي في عهد القذافي.
لم تستجب ليبيا لمطالب الدولتين التي اكتسبت طابع الدولية، وبدأت تحركا دوليا واسعا يستهدف اقناع العالم بالوقوف إلى جانبها على الاقل بالقبول بمحاكمة المشتبه فيهما في بلد ثالث اذا لم يكن بالامكان تجاوز القرار الدولي، ولقد نجحت ليبيا في ذلك إلى حد بعيد، عندما حصلت على دعم الدول العربية ممثلة في جامعتها، التي شكلت لجنة سباعية دائمة لهذا الغرض، وحصلت على دعم دول عدم الانحياز، ولعل أهم دعم حصلت عليه كان من الدول الافريقية التي قررت في قمتها التي انعقدت في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو في 10 يونيو 1998 كسر الحظر المفروض على ليبيا بحلول شهر سبتمبر من نفس العام مالم يستجاب إلى مطالبها.
قرار محكمة العدل الدولية التي أفتت لصالح الاعتراض الليبي بأن القضية ليست من اختصاص مجلس الأمن، لأنها لم تنطو على ما يهدد السلام الدولي، سلسلة من قرارات حركة عدم الانحياز، ومنظمة الوحدة الأفريقية التي تحدى العديد من رؤساء دولها الحظر الجوى المفروض على ليبيا.
ورغم أن فكرة تسليم المشتبه فيهما ليحاكما في بلد ثالث هي في الأصل فكرة ليبية، ظل الكثيرون يشككون بل يجزمون باستحالة تسليم المتهمين، قدمت لطرابلس ضمانات بألا تتحول محاكمة المتهمين إلى محاكمة سياسية، وأنهما سيلقيان محاكمة جنائية عادلة، ويتبع تسيمهما فوراً البدء بإجراءات رفع العقوبات عن ليبيا.
عندما أحست الدولتان أن ثغرة قد فتحت في جدار العقوبات، قبلتا في 24 اغسطس 1998 بمحاكمة الليبين في بلد ثالث هو هولندا حيث وافقت ليبيا، وبعد إجراءات استمرت فترة بدأت المحاكمة بهيئة مؤلفة من 3 قضاة وعقدت مداولات استمرت 84 يوما من المرافعات القانونية.و في 31 يناير 2001 أدانت المحكمة أحد المواطنين استنادا على قرائن ظرفية وبرأت الاخر.
حُكِمَ على المقرحي في 31 يناير (كانون الثاني) 2001 بالسجن المؤبد إثر إدانته بالتورط
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2003، قررت المحكمة العليا في اسكوتلندا أن على المقرحي أن يمضي 27 عاما في الأقل في السجن قبل أن يحظى بالإفراج المشروط.
وقبل عدة أيام عادت قضية لوكربي إلى الواجهة بعدما أعلن الخميس الإدعاء الأسكتلندي عن تحديد هوية ليبيين يشتبه بتورطهما في تفجير طائرة بان أمريكيان في ثمانية وثمانين من القرن الماضي والتي خلّفت مقتل مائتين وسبعين شخصا.
الأمر يتعلق بعبد الله السنوسي قائد المخابرات الليبية السابق والذراع الأيمن للزعيم معمر القذافي، أما المشتبه الثاني فهو ابو عجيلة مسعود المحكوم عليه بعشر سنوات سجن في ليبيا والذي تمّ تحديد هويته من طرف كين دورنشتاين المخرج الوثائقي شقيق أحد ضحايا الحادثة، الأخير صرّح قائلا:"آمل أن يأتي يوم محاكمته لتوضع الأدلة أمامه ويتسنى طرح الأسئلة له لكشف عن كل شيء مرة واحدة وإلى الأبد، لقد كان خبيرا في القنابل، في هذه الحالة النظرية واضحة برمتها، من كان المنفذ ولماذا؟ كل ما أعتقده صحيح".
مسؤولية تفجير الطائرة الأمريكية كانت قد نسبت إلى الليبي عبد الباسط المقرحي، المتهم الوحيد الذي أدين في القضية، المقرحي توفي في ليبيا سنة 2012 بعد أن أطلق سراحه من سجن اسكتلندي في 2009 إثر إصابته بمرض السرطان.
يذكر بأن يوم الحادي والعشرين كانون الأول /ديسمبر 1988 طائرة بوينغ 747 لشركة بان أميريكان في طريقها من لندن نحو نيويورك انفجرت فوق بلدة لوكيربي الأسكلتندية مخلفة مقتل مائتين وسبعين شخصا، في 2003 اعترف النظام الليبي السابق مسؤوليته في التفجير ليدفع مليارين وأربمائة مليون يورو كتعويض لعائلات الضحايا.
أضيف بتاريخ :2015/11/28