حسن كامل الصباح: مخترع لبناني خانته الغربة مرتين
حسن كامل الصبّاح من نودار المخترعين الذين بان نبوغهم منذ نعومة أظفارهم وتغرّبوا حيث قدموا للبشرية اختراعاتهم، حتى وافتهم المنية بعيداً من وطنهم. قدم الصبّاح للشركة التي عمل لها في الولايات المتحدة أفكاراً وطاقات واختراعات فبادلته الجحود، وحاول إقناع حكام عرب بنقل اختراعاته إلى بلدانهم، لكن من دون جدوى.
ظهرت على الصبّاح علامات النبوغ منذ صغره، فاخترع بالوناً ورقياً يطير بواسطة الغاز. بدأ دراسته بالمدرسة "الإعدادية السلطانية" ببيروت، فكان متوفقاً في الرّياضيات والعلوم. ثم دخل إلى الكلية السورية الإنجيلية (الجامعة الأميركية في بيروت حالياً)، لكنه واجه عقبات ماليةً كادت تمنعه من المتابعة، فتدخّل أصحابه لدى إدارة الكلية التي أعفته منها كرمى لنبوغه، واصل فيها أبحاثه في الفلك في موازاة دراسته في الفيزياء.
عام 1916م، اضطر الصبّاح إلى الالتحاق الإلزامي بالخدمة العسكرية العثمانية، فاستقر خلال الخدمة في قسم اللاّسلكي مع المهندسين الألمان، فأفادهم وأفادوه في مجال الكهرباء، وما لبث أن رُقي إلى مرتبة ملازم أول وتسلّم قيادة مفرزة "التلغراف".
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، سكن لمدة قصيرة في دمشق، ثم قصد بيروت مجدداً ليعمل مدرّساً، وليتابع في الوقت نفسه دراسته في الهندسة الكهربائيّة. حاول السفر إلى فرنسا لمتابعة تخصصه، بيد أنه واجه صداً من المفوض السّامي الفرنسي حينذاك، دفعه إلى السفر إلى مدينة بوسطن الأميركية والانتساب إلى جامعتها.
عام 1921 م في الولايات المتحدة ، واجه الصبّاح عقبات مالية وكان يومها يتابع دراسته في الهندسة الكهربائية، ما اضطره إلى ترك الدراسة والعمل في شركة "جنرال إلكتريك". حاول بعدها دراسة الرياضيات العليا في جامعة مدينة إلّلينوي الأميركية لكن المال كان العقبة الدائمة في وجهه، وعاد من جديد مهندساً في "جنرال الكتريك"، برغم أنه لا يحمل شهادة الهندسة، ولكنه أثبت أنها ليست عائقاً مثلما أظهرت رسالته إلى خاله التي حدثه فيها عن اختراعه لآلة كهربائية تُسمّى المربّع الوحيد الكرة: "الغرض منها إنارة المصابيح الكهربائية المسلسلة بنورٍ ثابتٍ مهما تعدّدت المصابيح". وقال الصباح، في رسالته إلى خاله، "إني إذا انفصلت عنها (الشركة) الآن فإنها تعطيني شهادةً أني استُخدِمت فيها كمهندس . ولهذه الشّهادة اعتبار يفوق الشهادة الجامعية".
37 اختراعاً مسجلاً
توالت اختراعات حسن كامل الصبّاح مع استمرار أحواله المالية سيئةً، وتوقف تقدمه في الشركة في ظل حسد وتمييز تعرّض له من موظفي الشركة، والتي كانت تستغله ليدرّ عليها باختراعاته أموالاً طائلةً من دون أن تقدر جهوده أو تكافئه. لاحقاً اتجه الشاب اللبناني إلى الكتابة في المجلاّت العلمية فذاعت شهرته، ولفت أنظار العديد من الخبراء مثل أستاذ الكهرباء في جامعة ميلانو فراسله، وشركات مثل "سيمنس" الألمانية.
وبرغم هذه الظروف غير اللائقة بمخترع من وزن الصبّاح، رفض عرضاً من الاتحاد السّوفياتي واختار البقاء في مختبر الشّركة الذي كان يحتوي ما يحتاجه من آلات ومساعدة.
ومن أهم اختراعاته جهاز للتلفزة يخزّن أشعة الشمس ويحولها إلى تيار وقوة كهربائية، وسُجِّل هذا الإختراع في دائرة التّسجيل في واشنطن في 18 شباط 1930م، كما سُجِّل أيضاً في 11 دولة أخرى، واستفاد من اختراعه العديد من العلماء. واستنتج الصبّاح أنه يمكن استخدام أشعة الشمس وتحويل النور إلى طاقة كهربائية، وقام بتجارب لستّة أشهر توصل، على ضوئها، في "17 يناير 1930م"، إلى صنع جهازٍ للتّلفزة يحتوي على بطارية كهربائية ثانوية تشحن نفسها كلما تعرضت أقطابها الظاهرة لأشعة الشمس.
وعلى أساس هذا الإختراع، كتب الصّباح إلى الملك فيصل الأول محاولاً إقناعه بإنشاء مصانع لتوليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها على الأقطار العربية. وبالنسبة إلى عدد اختراعاته، يذكر الباحث والأديب سعيد الصباح في مقال في صحيفة "الأخبار" أن الباحث الفيزيائي محمد دبس زار مكتب التسجيل الاتحادي في واشنطن، منتدباً من لجنة الصباح الوطنية، ووصل إلى براءات اختراعات الصباح المسجلة في هذا المكتب، وتبيّن أن الصباح أنجز بمفرده 37 اختراعاً، و15 غيرها بالتعاون مع زملائه المهندسين، وهي في حقول التلفزة والطاقة الشمسية والتيار الكهربائي. وقد سجلت بعض الاختراعات في مكاتب تسجيل أخرى في العالم، علماً بأن العديد من اختراعات الصبّاح لم تسجّلها الشركة لأسباب تتعلق بسياستها التجارية.
ويلفت سعيد الصبّاح أن لحسن كامل الصبّاح "حلمه العربي الذي تطلع إلى إعمار البوادي والصحارى العربية وإقامة مزارع لإنتاج الطاقة الشمسية وبناء المطارات وإقامة سد على نهر الليطاني؛ تلك فكرة طرحها في العام 1921م، في مراسلته مع خاله العلامة (اللبناني) الشيخ أحمد رضا".
ومن اختراعات حسن كامل الصبّاح: جهاز إرسال تلفزيوني يَستخدم الانعكاس الإلكتروني، مرسل للصّور والمناظر، جهاز إرسال تلفزيوني يستخدم تأثيرات الشبكة الكهروضوئية في أنابيب الأشعة الكاتودية، جهاز إرسال مُتَلفَز يستعمل فيلماً يحوّل أشعة الشمس إلى قوّة كهربائية دافعة، جهاز لقياس ضغط البخار داخل أنابيب التفريغ الكهربائي.
نهاية في الغربة
في بلد الرأسمالية لم تُصرف اختراعات الصبّاح كما كان يتمنى. شكا في رسالة إلى أحد أصدقائه في العام 1925م خفة تعامل الشركة التي يعمل فيها مع اختراعه طريقةً لتطوير إحدى الأجهزة الكهربائية تفوق بها على الجهاز المنتج في شركة "وستنكهاوس"، وشكا لصديقه أيضاً محاولة أحد زملائه ويدعى "براون" قتَل اختراعه في المقوّم الزئبقي، لكن رئيس "بروان" لم يمكّنه من ذلك.
وأراد التخلص من هذا الإحجاف في شركته فحاول الانتقال إلى شركةٍ أخرى لكنها منعته. وحاول التواصل مع مسؤولين في البلاد العربية بشأن الإفادة من اختراعاته إلا أنهم لم يعيروه اهتماماً برغم توسّط أصدقاء له ذوي نفوذ عندهم.
بعد كل هذا، عزم على العودة إلى لبنان وأطلع والده في رسالةً على نيته شراء طائرة صغيرة تنقله أخيراً إلى لبنان. وحدثت النهاية المحزنة التي يشتبه باحثون في أنها كانت مدبرة، وكان ذلك يوم "30 مارس 1935م" أثناء عودته إلى منزله في بوسطن بعد أن اشترى طائرة صغيرة خاصّة، حينما تعرض لحادث سير وتدهورت سيارته وتوفيّ على إثره، ثم نقل جثمانه إلى لبنان ودُفِنَ في مدينة النّبطية، مسقط رأسه.
لم تظهر دلائل تؤكد وجود مخطط لاغتيال حسن كامل الصبّاح. لكنّ رسالة بعث بها الأخير إلى والديه، وهي مؤرخة في "29 مارس 1935"، تطرق إليها الباحث سعيد الصبّاح في مقاله بشأن شكوك الباحثين في هذه المسألة، جاء فيها: إنني أجتاز الآن مرحلة صعبة وخطرة، أسأل الله أن ينجيني منها، فادعوا لي لأن دعاءكم ورضاكم قد يخلصانني من أعداء ألداء يكيدون لي دائماً، ويسعون لزحزحتي من طريقهم".
أضيف بتاريخ :2015/12/24