قصة وحدث : ’حريق القديح’ شاهد على التمييز في زمن الصمت
كان مساء يوم الأربعاء " 28 يوليو 1999"، يومها تزينت تلك بلدة " القديح" بالمصابيح. ومن خيمة فرح منصوبة في تلك البلدة، كانت تتعالى الزغاريد وبشائر البهجة من قبل الحاضرين من النساء والأطفال.
وكأي عروس في ليلة العمر، ازدانت بطلّتها القمرية. تسير وقد سبقتها أحلامها وصور رسمتها عن مستقبلها، تأسرها فكرة انتقالها من بيت عاشت فيه الطفولة والدلال إلى بيت آخر وحياة أخرى، كانت تتحضر لطوي صفحة تحن إليها، وفتح صفحة لطالما رسمت لها صوراً ممزوجة بأحلام وردية… إلا أن للقدر إرادة أخرى!
فجأة اختفت أصوات الزغاريد، هدأت أصوات الفرح، حل مكانها صوت عويلٍ وصراخ ممزوجين بطعم الألم والجراح. واختفت الأنوار، وحده لهيب النار كلن يُشعل البلدة.
خرج الأهالي إلى موقع "الخيمة" التي لم تستمر بها النيران إلا بضع دقائق حتى أتت على أغلب من فيها من النساء والأطفال. حاول شباب البلدة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقبل وصول سيارات الاسعاف، باشر شبان البلدة بنقل الضحايا إلى مستوصفات ومستشفيات بواسطة سياراتهم الخاصة.
عاشت مستشفيات البلدة حالة استنفار عام، وجندت كل إمكانياتها للتخفيف من هول الفاجعة، من خلال تقديم الخدمات العلاجية اللازمة. واستعان مستوصف بلدة "القديح" بسيارات الإسعاف من المستوصفات القريبة وجمعيات المحافظة الخيرية، وسيارات الأهالي الخاصة لنقل عدد كبير من الحالات إلى مستشفيات المنطقة، وتم التنسيق مع المستشفيات لنقل عدد كبير من الشباب المتطوعين للتبرع بالدم بواسطة سيارات وحافلات الجمعية وسيارات الأهالي.
أكثر من 70 إمرأة وطفلا حولتهم النيران إلى جثث متفحمة، بعدما هوت "الخيمة المشؤومة" على رؤوسهم. واستغرق بحث الأهالي عن مفقوديهم وقتاً لتعدد المستشفيات تارة أو لتغير ملامح المفقودين من شدة الحريق تارة أخرى.
غطت رائحة الحريق والموت سماء القطيف. أخذ الخبر المشؤوم ينتشر من بلدة لأخرى.
السيدة "فاطمة أبو الرحي" من سلالة النبي محمد (ص) اثنان وعشرون عاماً، زفت إلى قبرها، وأبت إلا أن تصطحب معها كل ضيوفها. هكذا أُريد لمأساة عروس القديح أن تكون الشاهد على منهج التمييز والإهمال.
ففي الوقت الذي تنتشر صالات الأفراح في كافة المدن والمناطق السعودية تُستثنى منطقة القطيف منها، وتخلو من تلك الصالات ومن أي فندق.
وبسبب الحظر على الصالات، مُنعت الطائفة الشيعية من استخدام الصالات لإقامة التجمعات الدينية والاجتماعية كحفلات الزواج، لكن تزايد عدد السكان وتضاؤل عدد الحسينيات جعل من الخيام الكبيرة هي الخيار الأوحد لاقامة حفلات الزواج، مما تسبب في وقوع كارثة القديح وهي أكبر فاجعة فرح تحولت إلى حزن في تاريخ المملكة السعودية.
فاجعة "العرس الدامي" كانت وراء بناء صالة الملك عبدالله وفتح المجال إلى أبناء القطيف لبناء الصالات في السنوات الآخيرة.
حادثة ظلت متجددة ما إن تطل ذكراها في الخامس عشر من شهر ربيع الثاني من كل عام، فاجعة ما كانت لتحدث لو لم يكن التمييز والإهمال.
ستة عشر عاما مرت على " فاجعة الحريق" ومازال الأهالي يتساءلون هل سيتوقف مسلسل التمييز الذي لا يقتصر على التنمية بل يتمظهر التكفير والطائفية، أم نحن بانتظار حادثة تلو الأخرى وفاجعة تلو الفاجعة في وطن تأسس على الطائفية؟
أضيف بتاريخ :2016/02/01