قصة وحدث: رصاصة في ليلة الميلاد
ركب دراجته النارية، بعد أن لبس ملابسه الأنيقة، فالمناسبة مناسبة فرح، والليلة ليلة ميلاد الإمام الحسن المجتبى(ع)، المصادفة ليلة النصف من شهر رمضان المبارك، لم يكن شيء يوحي بغير الفرح، ولم يخطر ببال أحد شيء غير الفرح، إذا أن حرمة الشهر والمناسبة، وأصوات الأهازيج التي غطت أجواء المدينة، تستبعد كل الاحتمالات.
في مساء 14 من شهر رمضان 1433هـ، الموافق 2012/8/3م، خرج حُسين من بلدته الساحلية "سنابس"، الواقعة على شاطئ الخليج، قطع مسافة الجسر الواصلة بين جزيرة تاروت، وصولا إلى المدينة الأم، مدينة القطيف، للمشاركة في الاحتفال هناك، مع مجموعة من أقرانه وبعض الفتية.
خفافيش تسرق الفرح
ساحات المدينة، وكل قُراها تحتفل بالمناسبة، والطرقات تشهد ازدحاما مُضاعفا في مثل هذه المناسبات، ثمة خفافيش سوداء تقف على مداخل المدينة، لكنها ليس صغيرة الحجم، مثل الخفاش الصغير، قد تتشابه معه في اللون فقط، إلا أن الحجم والسلاح الذي تُخبأه يوحي بأن المدينة في ساحة حرب، حولتها المدرعات وسيارات المباحث المنتشرة، إلى ثكنة عسكرية.
مر "حُسين يوسف القلاف" بدراجته وسط المدينة، وقلبه الذي عشق مدينته، وكأنما أوحى إليه، بأن تزود من رائحة مدينتك، وألقي عليها نظرة الوداع.
ثمة قلب آخر ينظر إليه، وبين تخاطر القلوب، همس له، أنت بسلميتك تجوب مدينتك لإقامة الفرح، ورجال الأمن بعدتهم وسلاحهم......إلا أن رجل الأمن الذي يختبئ داخل إحدى المدرعات، صوب رصاصه نحو قلب حُسين، فأرداه شهيدا..
لحظات فقط وتحول فرح المدينة إلى حزن برائحة الدم، ليس وحده من أصيب، بتلك الرصاصات، ثمة إصابات متعددة، إلا أن النصيب الأكبر والتصويب كان لقلب حُسين..
أطفال يحفظون أسماء الشهداء
الأطفال في المدينة أصابهم من الحدث شيء من الألم يفوق أعمارهم الصغيرة، أخذ يعدد بعضهم، واحد اثنان ثلاثة، لا لا العدد أكثر من هذا، تحدث أحدهم بهمس، "ناصر.. علي.. علي.. مُنيب"، قطع حديثهم آخر، أنا .. أنا أعرف، هذا الشهيد رقم 12، تقتله الشرطة بالرصاص، ولكن لكن .. الشهيد "حسن عوجان"، استشهد ليس بالرصاص.
مساء الاثنين الموافق 6 أغسطس 2012م شيع عشرات الآلاف، الشهيد الشاب "حسين يوسف القلاف" 18 ربيعا، حملته الأكف في تشييع مهيب، وسط دموع المحبين وأصوات الشباب بالهتافات الرافضة لاستخدام السلطات، الرصاص ضد الأهالي.
رحل حُسين شاهدا وشهيدا بدمائه الزكية، وفي ذكراه الرابعة، مازال الدم ينزف، ومازالت الرصاصات القاتلة، تخترق، أصواتها المدينة، وبلداتها، حتى في شهر بسط الخالق فيه الرحمة والمائدة..
والرصاصات التي قتلت حسين قبل أربعة أعوام، عادت بعد مسيرة حاشدة من القتل والإرهاب، لتقتل اليوم شابا آخر وبدم بارد، دون أن تجعل أي حرمة للشهر!.
أضيف بتاريخ :2016/06/23