إقليمية

حرب الخليج الأولى: تكرار للمشهد بصورة مختلفة


ما تشهده المنطقة اليوم من احتقان سياسي يُنبئ بقرع طبول حرب على الأبواب. أحداث اليوم تُعيدنا إلى ذاكرة حرب فُرضت في الخليج، المحرض اليوم هو نفسه، والمشهد يتكرر، إلا إن الصورة اختلفت عن الأمس بطبيعة التطور الحاصل في العالم. قد تبدو صورة حرب الأمس مشوشة وغير واضحة لكُثر، خصوصاً للجيل الحديث، إلا أن صورة اليوم تبدو عالية الجودة.

"حرب الخليج الأولى"، هي حرب امتدت لثمانية أعوام منذ "٢٢سبتمبر 1980" إلى "أغسطس 1988"، وعُرفت بـ "الحرب العراقية الإيرانية". حرب نشبت بين القوات المسلحة في العراق وإيران التي كانت تستعيد أنفاسها بعد الثورة، إلا أنها دُعمت من دول لم تعجبها التحولات الداخلية في إيران.

واعتبرت هذه الحرب من أطول الحروب التقليدية في القرن العشرين، راح خلالها أكثر من نصف مليون قتيل من الجانبين، وقدّرت الخسائر المادية بحوالي 1.19 تريليون دولار أمريكي. وقد غيرت هذه الحرب المعادلات السياسية لمنطقة الشرق الأوسط وكان لنتائجها أعظم الأثر في العوامل التي أدت إلى حرب الخليج الثانية أو كما سميت بعملية "عاصفة الصحراء" في 1991.

ترجع أصول الخلافات العراقية-الإيرانية إلى الخلافات الناشئة حول ترسيم الحدود بين البلدين، وقد بقيت هذه الخلافات مشكلة عالقة في العلاقات الإيرانية العراقية لا سيما حول السيادة الكاملة على شط العرب حيث كانت تحت السيادة العراقية الكاملة، قبل أن تتقاسم الدولتان هذه السيادة بعد اتفاقية الجزائر عام 1975 مقابل أن يكف الشاه في إيران عن مساعدة الثوار الأكراد في العراق. استفاد العراق من هذه الاتفاقية في إيقاف المساعدات الإيرانية لحركة التمرد الكردية التي قادها مصطفى البارزاني ونجاح النظام العراقي في القضاء على الثورة الكردية.

بعد تسلم صدام حسين السلطة في العراق عام 1979، كان الجيش الإيراني يُعد من أقوى جيوش المنطقة على الرغم من الهيكلة وتعرض القياديين السابقين في الجيش إلى حملة اعتقالات على يد صادق خلخالي حاكم شرع إيران بعد وصول الثورة الإسلامية إلى سدة الحكم في إيران.

في 17 سبتمبر 1980 أعلن صدام حسين عن إلغاء اتفاقية الجزائر لعام 1975 التي وقعها بنفسه مع شاه إيران حينما كان نائباً للرئيس العراقي آنذاك، واعتبر أن شط العرب بالكامل هو جزء من المياه الإقليمية العراقية.

وأعلن صدام شن حرب على ايران بهدف دفعها إلى "الاعتراف بالسيادة العراقية على التراب الوطني العراقي ومياهه النهرية والبحرية، و إنهاء الاحتلال الإيراني لجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى في الخليج عند مدخل مضيق هرمز، وكف إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق".

صورة الثمانينات نفسها وعناوينها السيسية تتكرر اليوم، "مطالبة إيران بعدم التدخل في الشؤون العراقية وفي الشؤون الداخلية لدول الخليج"... انها الذريعة الجاهزة للاستخدام دوماً، إلا أن الأسباب الحقيقة يُخفيها المحرضون الحقيقيون وراء مصالحهم الخاصة في الهيمنة والتفرد بالمنطقة.

يُرجع محللون السبب الرئيس لشن حرب الخليج الأولى هو رفض وجود دولة تناصر القضية الأولى والمركزية للمسلمين "فلسطين"، ورفض قيام دولة تعارض الهيمنة الأمريكية وغيرها من قوى الاستكبار العالمي ودولة لا تقبل بوجود إسرائيل على خارطة العالم الإسلامي ولا تقبل بالعبودية. لم يكن للانتماء المذهبي أي أثر، فإيران الشيعية اليوم هي نفسها إيران الشيعية في عهد الشاه، الذي كان ينحني له حكام العراق والخليج لكونه "شرطي الخليج".


من عايشوا أحداث حرب الخليج الأولى، ينقلون آن انتصار الثورة الاسلامية في إيران خلق خشية من تأثيرها في بقية البلدان، ومن هنا بدأ التداول بمصطلح "تصدير الثورة"، وقع الاختيار على الجارة العراق للتصدي إلى إيران فهي التي تتشترك مع إيران بحدود واسعة، وعوامل أخرى كالانتماء المذهبي، وصلات القرابة بين العوائل المنتشرة على الحدود لا سيما في الجنوب الايراني، وكانت الحدود ذريعة لإعلان حرب مهد لها الاستكبار.

كيف يتكرر المشهد؟
الحسابات التي قادت إلى دفع العراق والزج به بوجه إيران، لازالت نفسها، فمقارعة الظلم مرفوضة وعقيدة زوال "إسرائيل من الوجود" محرجة لأنظمة المنطقة راعية مبادرات السلام، والوقوف مع المستضعفين في الأرض هو أمر محرم وترى فيه بعض الأنظمة تهديداً مباشراً، لاسيما تلك التي تهز عروشها مطالب الحق والإصلاح، وترد عليها بقطع الرؤوس باسم الشريعة والإسلام.

يتكرر مشهد الثمانينات، إلا آن المختلف اليوم أن الأنظمة الخليج التي كانت تحمي ظهر صدام حسين وتمده بالسلاح وتدفع به للإيغال أكثر في الحرب، وقفت اليوم لتخوض حربها بنفسها، بعد أن استنفدت كل أوراقها في أزمات وجبهات فتحتها للهدف نفسه ولم تحصد منها إلا الخيبة… تحت عناوين التهديد الاقليمي ومحاربة الارهاب تُحشد الجيوش اليوم إلا أن التجييش الحقيقي يُمارس بعنوان مواجهة التدخلات في الشؤون الداخلية… انه العنوان نفسه.. والحرب نفسها!

أضيف بتاريخ :2016/01/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد