لماذا اضطرت السعودية للتفاوض مع الحوثيين مجددًا؟
نقلت وكالة رويترز عن مصادر في لجنة إدارية تابعة للحوثيين يوم الثلاثاء الماضي قولهم أن مسؤولين في جماعة أنصار الله الحوثي يزورون السعودية حاليًا لإجراء محادثات حول إنهاء الصراع في اليمن، بما يعني أنها الزيارة الأولى منذ نشوب الحرب في مارس من العام الماضي بين الحوثيين والتحالف العربي بقيادة السعودية.
أضافت رويترز عبر مصادرها أن الزيارة بدأت يوم الإثنين تلبية لدعوة من مسؤولين سعوديين بعد أسبوع من المحادثات التحضيرية السرية.
ترأس الوفد الحوثي في الرياض محمد عبد السلام المتحدث الرسمي الرئيسي باسم الجماعة والمستشار الكبير لزعيمها عبد الملك الحوثي، وقد ترأس عبدالسلام قبل ذلك وفودًا للحركة في محادثات سابقة أجريت في عمان مهدت الطريق للمحادثات التي أجريت برعاية الأمم المتحدة في سويسرا العام الماضي.
هذا فيما تؤكد مصادر داخلية يمنية وجود شواهد للاتصالات الجارية بين الجانبين السعودي والحوثي، أهمها الهدوء الواضح في القتال على الحدود السعودية اليمنية، رغم أن هذه الجبهة كانت من أكثر الجبهات دموية في الصراع، في الوقت الذي تراجعت فيه الغارات الجوية التي يشنها التحالف العربي على العاصمة اليمنية صنعاء قبل نحو أسبوع.
وبينما لم يخرج تعليق رسمي سعودي على هذه المعلومات، فإن ثمة دواعٍ وضرورات لدى المملكة العربية السعودية لإجراء مثل هذه الاتصالات في هذا التوقيت بالتحديد، بعد مرور قرابة سنة على بدء عاصفة الحزم العسكرية عبر التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن.
فشل الحل العسكري في الحسم
بداية من الخيار العسكري السعودي الذي أثبت فشله في الحسم والسيطرة على مجريات الأمور في اليمن، وإن ظهرت بعض بوادر التقدم العسكري على الأرض إلا أنه تقدم في إطار معارك كر وفر بين الطرفين وحرب عصابات لا تستطيع السعودية من خلالها إحكام السيطرة على المدن التي تُحررها من قبضة الحوثيين.
وأدركت السعودية أنه بعد عدد قتلى فاق 7 آلاف بجانب آلاف الجرحى من الجانبين في اليمن، وتدمير قرابة 400 ألف منزل سكني وتشريد قرابة المليون يمني، وتدمير البنية التحتية اليمنية جراء القصف المتواصل من التحالف العربي والرد الحوثي عليه، لم تستطع السعودية إعادة "الشرعية" إلى اليمن كما أعلنت في أهدافها من هذا التدخل العسكري.
امتداد الحرب للداخل السعودي
علاوة على امتداد الحرب إلى الداخل السعودي من خلال المدن الحدودية التي تشهد عمليات قصف وقنص حوثي وتسللات اقتحامية أوقعت عشرات القتلى في الجانب السعودي، ولكن بسبب عدم الإفصاح عن الأرقام الرسمية للقتلى فإنه يصعب تقدير حجم الخسائر البشرية في الجانب السعودي.
أسباب اقتصادية
هذا الخيار العسكري لم يثبت فشله فحسب، بل إنه كلف الخزينة السعودية الكثير دون مردود واضح، بداية من الإنفاق العسكري المتضخم الذي لم تعتاده السعودية منذ سنوات عدة، انتهاءً بالمعونات العسكرية والاقتصادية للدول المتحالفة مع السعودية في الحرب بهدف استمرارهم في دعم السعودية إقليميًا.
الأمر الذي اتضحت آثاره الاقتصادية بعد مدة قصيرة من بداية الحرب، حيث استنزفت الأموال السعودية ولم تكن الحرب في اليمن "نزهة" كما توقعها البعض، واضطرت المملكة لاتخاذ إجراءات تقشفية في مواجهة زيادة الإنفاق وانخفاض أسعار البترول التي تمثل الدخل الرئيسي والأكبر للمملكة، ولأول مرة منذ عقود طويلة نسمع عن طلب المملكة الاستدانة من البنك الدولي.
الخوف من تحول اليمن إلى سوريا أخرى
يعود أمر اضطرار السعودية لتهدئة الأجواء مع الحوثيين في اليمن إلى الوضع الإقليمي العام أيضًا، حيث مزيد من التدخل العسكري السعودي في السعودية عبر وكلائها، وثمة إرادة لتنفيذ حملة عسكرية مباشرة في المستقبل القريب بالداخل السوري إذا ما فشلت جهود الحل السياسي المطروحة دوليًا.
بالإضافة إلى التهديد الإيراني بتحويل المعركة في اليمن إلى سوريا جديدة عن طريق تقديم مزيد من الدعم العسكري إلى الحوثيين على الطريقة السورية من خلال مليشيات ومستشارين عسكريين إيرانيين، وهو ما سيعني دخول اليمن في دوامة العنف اللانهائي الذي معه ستضطر السعودية لمزيد من التدخل العسكري حماية لأراضيها وعمقها الإستراتيجي.
ومع هذا الاضطراب الداخلي في اليمن وعدم مقدرة المقاومة الشعبية المدعومة سعوديًا على بسط نفوذها على المناطق المحررة بصورة تعيدها إلى طبيعتها، تخشى السعودية من التمدد القاعدي والداعشي في هذه الفوضى، وهو الأمر الذي سيمثل خطرًا داهمًا على المملكة وأمنها الداخلي إذا ما تصاعدت قوة تنظيمات القاعدة وداعش في الداخل اليمني.
غالبية هذه الأسباب أكد عليها أيضًا الكاتب الصحفي عبدالباري عطوان في مقال له أشار فيه إلى أن هناك دفعات قوية نحو عودة السعودية إلى التفاوض بعدما كانت ترفضه في المطلق في أوقات سابقة ظنًا من القيادة السعودية أن الحرب على وشك الانتهاء بالحسم.
كذلك تحدثت مصادر عن رغبة علي عبدالله الصالح في التفاوض مع دولة الإمارات العربية المتحدة لإيجاد مخرج وحل للأزمة اليمنية يضمن له خروجًا آمنًا، في الوقت الذي تعلن فيه قوات التحالف العربي عن وساطة قبلية على الحدود السعودية اليمنية لإدخال مواد الإغاثة إلى اليمن، رافقها الإفراج عن بعض المعتقلين من الجانبين، وقد رحب التحالف بالتهدئة على الحدود اليمنية للتوصل إلى حل سياسي وفق قرار مجلس الأمن الدولي.
كل هذه بوادر تؤكد عودة خيار التفاوض إلى الجعبة السعودية مرة أخرى في رغبة جدية فيما يبدو من الطرفين لإنهاء ملف اليمن بالحل السياسي دون استكمال الحرب للنهاية.
أضيف بتاريخ :2016/03/09