في أعناق الجميع.. الشيخ حسين الراضي ضحيّة الاضطهاد الطائفي السعودي
“إن صلاح الأمّة متوقّف على صلاح بعض رموزها وقياداتها ومن أبرز ذلك الفقهاء والأمراء” هذه الكلمات يمكنها أن تختصر مسيرة حياة طويلة أمضاها سماحة الشيخ حسين الراضي بتوجيه الأمة والعلماء معاً نحو طريق الصواب، فهو الذي لم يترك مجالاً لقول كلمة الحق إلا وأطلقها رغم ما يحيط بهذا الفعل من مخاطر، وكانت النتيجة كما توقعها معتقلاً معذباً داخل سجون آل سعود.
ولد الشيخ حسين علي الراضي في الأحساء عام 1951. وهو أحد أهم علماء الشيعة في المنطقة الواقعة شرق “السعودية” وإمام مسجد الرسول الأعظم في العمران.
عام 1980 انتقل إلى النجف الأشرف في العراق ليكمل دراسته الحوزوية على يد كبار المرجعيات الدينية، ثم انتقل إلى قم واستكمل دراسته ليبدأ بعدها التدريس وله العديد من المؤلفات. لم يُعرف عن الشيخ الراضي أنه غاص في السياسة قبل مشاركته التظاهرات التي اندلعت في الأحساء خلال حراك 2011. ولوقت طويل، كانت خطبه ومواقفه في إطار التركيز على مفهوم الوحدة الإسلاميّة.
من يعرفه يرى أن “استقلاليّة الشيخ الفكريّة التي تبنّاها من خلال بحوثه الشخصيّة تؤكّد استقلاليته السياسية”. بعد إعدام الشيخ نمر النمر الاجرامية وعدد من الشبان، برز موقف جريء للشيخ حسين الراضي. ففي وقت كان الإعلام السعودي يبارك إعدام الشيخ النمر ويصفه بالإرهابي، نعى الشيخ الراضي الشهيد من على منبر جمعة مسجد الرسول الأعظم (ص) ووصفه بأنه “المظلوم الشهيد المجاهد شهيد الحرية والكرامة” وبـ “شيخ الشهداء”، مستنكراً إعدام الشهيد النمر ضمن المجموعة الإرهابية التي قتلت وفجرت في الناس.
الشيخ الراضي تساءل عن أسباب إعدام الشيخ الشهيد، قائلاً: “هل أعدمته (السلطة) لأنه سبها وتطاول على شخصياتها؟ أو لأنه انتقدها في تصرفاتها في بيت المال بلا حساب ولا كتاب؟ أو العلاقات الداخلية والخارجية والتمييز الطائفي والمذهبي؟” و لأنه طالب بجملة من الحقوق له وللشعب وطالبها بالعدل والإنصاف، أو لأنه طالب بمظاهرات سلمية للاحتجاج على بعض الأمور التي لا ترتضيها؟” وانتقد الشيخ الراضي إقدام الحكومة على منع المظاهرات والمعاقبة عليها وسياسة تكميم الأفواه ومنع الشعب من أن يعلن آراءه في القضايا المختلفة، “ومن يفعل خلاف رأيها فليس له إلا السجن أو الإعدام”، وفق قوله.
في 29 يناير/ كانون الثاني 2016، أطلق سماحة الشيخ الراضي موقف لافت دعا فيه إلى إيقاف الحرب على اليمن رافضاً التبرير لها، متسائلاً: “هل يجوز التحالف مع أميركا وغيرها لتدمير اليمن واليمنيين؟!” وعلّق في ذات السياق على “الانتخابات الشرعية النزيهة” التي تدّعي “السعودية” أنها تسعى إلى تطبيقها في اليمن بقوله إن “فاقد الشيء لا يُعطيه”، في إشارة إلى المشاركة السياسية والإرادة الشعبية المغيبة تماماً في داخل المملكة، لصالح عملية انتقال بالحكم تجري بالوراثة. وفي موقف آخر انتقد الراضي الإرهاب، وقال: “لو بحثنا في الأسباب التي تؤدي إلى مثل هذه الحوادث لوجدنا أنّها الثقافة التي تسود في المملكة”، مشيراً إلى أنّ المملكة أصبحت منبعاً للتكفير وقادته “وتؤمن به كدين تدين الله به منذ آلاف السنين والتاريخ شاهد على ذلك”. في 20 فبراير/شباط 2017 اعتلى الشيخ الراضي منبر الجمعة متحدثاً عن استدعائه.
كشف سماحته أنه هُدد بـ”سحب الولاية من جامع الرسول الأعظم” (ص) ومنعه “من الخطبة والخطابة”، وأضاف أنه أخبر السلطة بأنه غير راضٍ بالتعهد مستنكراً: “كيف يكتب في نهايته برضاي وذلك غير صحيح”! وبعد تصنيف حزب الله “منظمة إرهابية” وإصدار قرار بخصوص اعتقال من يؤيد أو يتعاطف مع الحزب، صرح الشيخ الراضي باستنكاره للقرار وقال: “إن كانت جريمة حزب الله قتال إسرائيل والتكفيريين فأنا معهم”. وأضاف: “حزب الله الذي أعاد العزة والكرامة للإسلام والمسلمين والعروبة والعروبيين، من حق هذه الشعوب ان تُكرّمه وتُبجّله وتعتز به كمفخرة من مفاخرها وإرثًا حضارياً لها”. واعتبر هذا التصنيف عار يلحق بالأمتين العربية والإسلامية.
وتوجّه لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بالقول: “أنت ابن النجباء الأكرمين أنت ابن السلالة الطيبين الطاهرين، أنت العز، أنت الشرف، أنت النصر، أنت نصر الله، أنت الأمل للمحرومين، أنت المدافع عن المظلومين، أنت السهم في عيون الظالمين”. على إثر هذه المواقف التي صرّح بها الشيخ الراضي قرّر النظام السعودي إخفاء هذا الصوت وتغييبه فبدأ التضييق عليه. مساء الأحد 20 آذار/ مارس 2016 تلقّى الشيخ بلاغاً شفهياً بمنعه من إمامة الجمعة والجماعة.
وفي ساعة متأخرة من ليلة 21 آذار عام 2016 – أي بعد 15 يوماً على تصنيف مجلس التعاون الخليجي حزب الله كمنظمة إرهابية – قامت قوة أمنية مجهزة بـ 20 آلية عسكرية بمداهمة منزل الشيخ حسين الراضي واعتقاله بتهمة “الخروج على ولي الأمر”. بعد اعتقال تعسفي من دون محاكمة، حكمت السلطات السعودية على الشيخ الراضي مدة 13 عاماً.
ويعاني الشيخ الراضي من مرض القلب، ما يسلتزم رعاية صحية خاصة ومتابعة ضرورية غير أن الحرمان من الطبابة والعلاج والإهمال المتعمّد والخدمات غير المجدية، تهدد المعتقلين وخاصة الكبار منهم، في ظل ما تعانيه الزنازين من ضيق وإهمال واكتظاظ وعدم مبالاة وحرمان من وسائل التدفئة، الأمر الذي يفاقم معاناة المعتقلين في الأيام العادية، ويتسبب لهم بأمراض معدية، مايزيد المخاوف على حياته. تغليظ الحكم ضد “الشيخ الراضي” المدافع عن حقوق الإنسان، بالسجن 13 سنة ظلماً، كان لمطالبته بالعدل ورفض الظلم والاعتداء والاعتقالات التعسفية وشن الحروب العبثية والعدوانية والقتل والتدمير، ولذلك تعمدّت السلطة حرمانه من حقه في إلقاء الخطب الدينية، انتقاماً من دوره وآرائه ومواقفه في نصرة المظلومين في كل أنحاء العالم.
أضيف بتاريخ :2022/03/02