تقرير-(خاص): مشردون ولاجئون سعوديون داخل السعودية.. بسبب عدم وجود خطة للكوارث!
جميع دول العالم تقوم بوضع قواعد أساسية في التعامل مع الأوضاع الراهنة، كما تعمل على محاولة تجنب المخاطر، وهذه القواعد تشمل التحضير لحالات الكوارث قبل وقوعها على سبيل المثال: (الإخلاء في حالات الطوارئ ، وتهيئة مكان مناسب للأفراد المتضررة، والجانب الصحي، وإزالة التلوث الشامل، وما إلى ذلك)، إضافة للدعم المادي، وإعادة بناء المجتمع بعد الكوارث البشرية أو الطبيعية في محاولة للتخفيف من التداعيات المترتبة من آثار تلك الكوارث.
وتقع المسؤولية لإدارة الطوارئ على الجهات الحكومية مع مؤسسات الدفاع المدني أو من خلال الهيكل التقليدي لتقديم الخدمات في حالات الكوارث الطبيعية أو الكوارث المتسببة من الفساد وغياب الرقابة، حيث ينبغي وضع السياسات والاستراتيجيات والإجراءات للحد من أخطار الكوارث حتى تُمكن الأفراد والمدن والدول من زيادة القدرة على التصدي للأخطار وتقليل المخاطر.
ويرى مراقبون أن المملكة العربية السعودية تشهد تفاقم في أزمة أخطار الكوارث في كل عام، من الأمطار والسيول وسقوط الأبنية والحرائق في أمكان متعددة، إضافة إلى كوارث موسم الحج، جراء سوء التخطيط والتنظيم والفقر والفساد وتدني مستوى القدرات في التعامل مع الأخطار والكوارث الطبيعية، وهذا كان جلياً في الكثير من الكوارث التي تعرضت لها المملكة حيث كشفت هشاشة بنيتها التحتية وفساد المشاريع.
ورغم أن المملكة احتلت المركز الرابع ضمن أكثر الدول أماناً من أخطار الكوارث الطبيعية على مستوى العالم، حيث تربعت قطر على عرش القائمة، والبحرين في المركز الثامن والإمارات في المركز التاسع، على الضوء نتائج تقرير "المخاطر العالمية لعام 2015" الذي تعده جامعة الأمم المتحدة لأمان الإنسان والبيئة (UNU-EHS)، إلا أنها مع قلة الكوارث الطبيعية، التي تتعرض لها بالقياس مع ماتتعرض له باقي دول العالم، إلا أنها فشلت في عمل استراتجية وقائية في الحد الأدنى.
ويتجلى ذلك بوضوح حيث أن السعودية أطلقت المؤتمر السعودي الدولي لإدارة الأزمات والكوارث لأول مرة في السنوات الأخيرة وبالتحديد في العام 2013م، الذي إلى الآن لم توضح معالمه في التصدي لمخاطر الكوارث!!
"الكارثة" فضحت حجم الفساد واللامبالاة في الإدارات الرسمية المعنية بتحصين المرافق العامة والصحية، ليكون الناس بمأمن ولاتصاب المرافق بالشلل حال وقوع كارثة. كانت جدة تبدو كأنها تغرق. غزارة الأمطار في ثاني كبرى مدن البلاد أدت إلى فيضان الشوارع، (غير المجهزة) لتصريف كميات مماثلة من المياه. قضى ثلاثة مواطنين نحبهم، أصيب اثنين بجروح، واحتجز المئات في منازلهم وأماكن لجأوا إليها لتحميهم من السيول، وأصيبت المنازل والمحال التجارية والسيارات بأضرار كبيرة.
مرت كارثة السيول في العام 2009م، التي ذهب ضحيتها عشرات الأرواح، وأتلفت معها العديد من الممتلكات والمنازل والأحياء السكنية، مرور الكرام على الحكومة. ضحايا غياب خطط الطوارئ في حالات الكوارث تسببت بمقتل شخصين من جراء صعق بالتيار الكهربائي في مدينة جدة على سواحل البحر الأحمر، بينما قتل طفل يبلغ من العمر 11 عاما غرقاً في محافظة ينبع شمال المملكة من جراء هطول الأمطار الغزيرة. وتعطلت حركة الملاحة، وأجل مطار الملك خالد الدولي في الرياض ثمان رحلات جوية داخلية وحوّل رحلة دولية إلى مطار المدينة المنورة، نتيجة للأحوال الجوية الممطرة.
أقصى ما قامت به الجهات الرسمية هي المناشدة لسكان جدة عبر مركز الأزمات والكوارث في إمارة منطقة مكة المكرمة بـ"البقاء في منازلهم وعدم الخروج منها إلا للضرورة القصوى حفاظاً على سلامتهم". أما الدفاع المدني في جدة، فقد أكد وجود 572 حالة احتجاز من جراء الأمطار، وسجلت غرفة العمليات 139 بلاغاً عن تجمع المياه، و39 بلاغاً عن التماسات كهربائية، و18 بلاغاً عن سقوط الأشجار واللوحات الإعلانية، وجريان 6 أودية. وعملت جرافات وصهاريج على محاولة تصريف المياه.
تضررت عشرات المنازل وانهار بعضها بالكامل في عدد من المحافظات والقرى السعودية، انقطع التيار الكهربائي في مكة وتبوك والمدينة المنورة، وحدثت التماسات كهربائية في هذه المناطق، وغمرت المياه السيارات.
أين مليارات "مشاريع التصريف"؟
صرفت الدولة مليارات الريالات منذ حوالي 40 عاماً لمشاريع تصريف المياه خاصة في الأودية وبإنشاء السدود. وبرغم أنه جرى تكليف أمانة محافظة جدة تنفيذ مشاريع الأمطار والسيول، إلا أنه، بعد كارثة الأمس، ألقت الأمانة مسؤولية تنفيذ المشاريع على عاتق "أرامكو" مرجعة السبب إلى "الأمر الملكي"، وذلك بعدما انتشر شريط فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي عن مقابلة أجريت مع أمين محافظة جدة هاني أبو راس في العام 2011 م، الذي قال، حينذاك، عندما سُأِل عن خطة عمل الأمانة لدَرْء مخاطر الأمطار والسيول عن محافظة جدة، "إن المشاريع تم توقيع عقودها وستنفذ خلال فترة قريبة".
قالت الأمانة في بيان إن لجنة وزارية للإشراف على مشاريع مياه الأمطار والسيول على كامل نطاق محافظة جدة، التي تشكلت بموجب الأمر الملكي رقم 2212/م ب بتاريخ 11 /4 /1432هـ (2011 م)، أُسندت المهام التنفيذية والفنية لـ"أرامكو" السعودية، فأحالت الأمانة دفتر شروط ومواصفات لإعداد مخطط عام للأمطار والسيول والمخصصات المالية المرصودة للمشاريع في ميزانية الأمانة، وكذلك الدراسات الأخرى التي أجرتها الأمانة، أحالتها على مشروع مياه الأمطار وتصريف السيول في محافظة جدة "أرامكو". يبرز سؤال طرحه مواطنون: هل أن هذه المشاريع يصلح أن تلزم لـ"أرامكو" كونها شركة نفطية بالدرجة الأولى؟
إنها فضيحة أن تعلن إمارة منطقة "مكة المكرمة" بأن مشكلة غرق الشوارع والأنفاق الداخلية التي حدثت الثلاثاء سببها "عدم وجود مشاريع تصريف للسيول داخل هذه المواقع". يقول المتحدث الرسمي لإمارة منطقة مكة المكرمة سلطان الدوسري إن جدة "تحتاج لمشروع متكامل لتصريف السيول داخل هذه الشوارع والأنفاق"، فـ"الإمارة جهة تتابع أداء الجهات التي توقّع عقوداً مع الشركات، وأن سيول العام 2009 كانت منقولة من خارج جدة لداخلها، وهو ما يضع الفرْق بينها وبين مشكلة أمس (الثلاثاء) التي هي بسبب المشاريع الداخلية للتصريف في الشوارع والأنفاق".
ماذا نفذ من مشاريع الحلول الدائمة لمعالجة مياه الأمطار وتصريف السيول وهي ثمانية، حددها المدير العام لمشروع الأمطار وتصريف السيول المهندس أحمد السليم في العام 2013؟ والمشاريع هي: إنشاء خمسة سدود وملحقاتها من سدود رادفة، ومفيض للسدود، وقنوات تصريف، وطرق وسد وادي غيا، وسد أم حبلين، وسد وادي دغبج، وسد وادي بريمان، وسد وادي غليل، وتوسعة مجاري تصريف مياه الأمطار الحالية وهي: (الشمالية، والجنوبية، والشرقية)، وإنشاء قناة جديدة لتصريف مياه الأمطار بمحاذاة مطار الملك عبدالعزيز الدولي". كان من المفترض أن تتم هذه المشاريع في أسبوعين في العام 2013، ولم تنتهِ بعد عامين!
تصريحات أمناء جدة منذ العام 1979 م إلى العام 2015 م تظهر أن "هناك مشاريع رصدت لها مليارات من الريالات وستنجز، مثلاً، في عام واحد. ففي العام 1979، قال أمين محافظة جدة محمد فارسي إن "شبكة تصريف السيول في جدة تكلف نصف مليار". ثم في العام 1999، أعلن الأمين السابق نزيه ناصف "سلّمنا 16 مشروعاً للمقاولين، وستنتهي في غضون عام". وبعد عامين، قال أمين المحافظة في 2001 م، عبدالفتاح فؤاد، إن "شبكة الصرف الصحي بقيمة 7 مليارات". بعدها بعام، في 2002 م،تحدث أمين جدة آنذاك عبدالله المعلمي عن "مشروع تصريف سيول بقيمة مليار ريال".
المسؤولون يعلنون عن مشاريع كثيرة بالمليارات إلا أنها (ليلة ممطرة) كفيلة في كشف زيف تلك المشاريع وكشف فرقعتها الإعلامية بعد أن تسببت تلك الأمطار بتشرد المواطنين عن منازلهم باحثين عن ملجأ ينجيهم من هول الكارثة، والحال ذاته في المستشفيات والمطارات والمرافق الحكومية التي تصبح غير آمنة على المواطنين!!
أضيف بتاريخ :2015/11/18