تقرير-(خاص): الشيخ النمر.. سيرة كفاح تكللت بالشهادة
حين تنظر إلى سيرته الذاتية، تختصر لك سيرة الكفاح التي بدأها سماحته قبل ما يسمى بـ " الربيع العربي".
سماحة الشيخ "نمر باقر النمر" يعرفه عامة الناس كونه كان على تواصل دائم معهم، يُجالسهم ويسعى في قضاء حوائجهم. خُلقه الرفيع هو أول ما يلفت نظر من يلتقيه للمرة الأولى، أضف إلى قوة تمسكه بمبادئ وقيم الدين الحنيف، والتي تبلورت عملياً في مسيرته الفكرية والجهادية.
تمتع بنظرة ثاقبة في المستجدات الواقعة، وبرؤية تحليلية دقيقة وموضوعية لمجريات الواقع الاجتماعي والسياسي، والتي كان يستلهمها من بصائر الذكر الحكيم، وهدى السنة المطهرة، وبما لديه من ثقافة غزيرة ومتنوعة، بحسب المقربين منه.
الاعتقال
عام ١٤٢٤هـ (٢٠٠٣م) اعتقل سماحته بعد إقامة صلاة الجمعة في (ساحة كربلاء)، واستمرارها لعدة أسابيع، وطُلب منه -بالإضافة إلى ترك إقامة صلاة الجمعة والبرامج المختلفة- إزالة البناء الذي تقام فيه الصلاة في ساحة كربلاء ليطلق سراحه.
عام ١٤٢٥هـ (٢٠٠٤م) اُستدعي سماحته من قبل السلطات من أجل إلغاء مهرجان: (البقيع.. حدث مغيب)، طوقوا منزله بسيارات رجال المباحث بمرافقة رجال الأمن، فرفض مصاحبتهم مفضلاً أن يأتي بسيارته، وقد قاموا بالضغط على سماحته لكي يلغيه.
في عام ١٤٢٦هـ (٢٠٠٥م) إستدعي الشيخ النمر أيضاً من أجل إلغاء مهرجان: (البقيع الخطوة الأولى لبنائه) وقد استمر بقاء الشيخ في المعتقل من الساعة التاسعة والنصف صباحاً حتى الواحدة ظهراً، وقد أخذ منهم وعوداً بأن يعطى حقه في المطالبة بالبناء وغيرها من المطالبات.
لاحقاً، عام ١٤٢٧هـ (٢٠٠٦م) اعتقل الشيخ أثناء عودته من البحرين من (مؤتمر القرآن الكريم) التي أقامته ممثلية آية الله العظمى السيد محمد تقي الحسيني المدرسي (دام ظله)، واقتيد من على جسر الملك فهد إلى المعتقل على خلفية تقارير كاذبة، وقد أهين في المعتقل جسدياً ومعنوياً بسبب جملة من المطالبات في إطار حقوق الطائفة الشيعية منها تدريس المذهب الشيعي في المدارس، وبناء البقيع، والمحاضرات التي يلقيها، وقد استمر اعتقال الشيخ قرابة الأسبوع، وبطول الاعتقال خرجت مظاهرة في مدينة العوامية عجلت بخروج سماحته.
في عام ١٤٢٩هـ (٢٠٠٨م) استدعي سماحته إلى محافظة القطيف ولما لم يتجاوب معهم فتم ترحيله إلى إمارة الدمام ومنها إلى المعتقل وأُجبر على أثرها على التوقيع بعدم إلقاء الخطب -وبالخصوص الجمعة- والدروس، فرفض الشيخ ذلك، مما أدى لسجن الشيخ سجناً انفرادياً بقرار من وزير الداخلية للضغط عليه كي يتوقف عن إلقاء الخطب حتى مدة مؤقتة لم يحدد مقدارها، فسجن "سجناً على الرأي السياسي" ولم يستمر الاعتقال أكثر من يوماً وليلة.
نشاطاته ومشاريعه:
للشيخ نمر باقر النمر العديد من النشاطات والمشاريع التي أثرى بها الساحة المحلية والإقليمية بالذات، وكان لبعضها تأثيراً ملحوظاً على المستوى الديني والفكري والاجتماعي والسياسي. أسهم سماحته في تنشيط المد الديني والرسالي في المنطقة، على الخصوص في بلدة العوامية، فقد عمل على تبني عدة نشاطات ساهمت في خلق الوعي الديني والرشد الفكري، من بينها إحياء دور المساجد: ومن ضمنها جامع الإمام الحسين (عليه السلام) بحي الزارة في العوامية، وبعد أن كان المسجد مهجوراً أصبح متميزاً في نشاطاته وفعالياته، والذي سمي بعد توسعته بجامع الإمام الحسين (عليه السلام)، وكان ذلك بفضل الجهود التي كان يبذلها سماحته.
حرص سماحته على إقامة "الصلاة جماعة" في جميع الفرائض بما فيها صلاة الفجر، وبادر لإقامة "صلاة الجمعة" ١٤٢٤هـ(٢٠٠٣م) ببلدة العوامية، بعد أن كانت الظروف المحيطة تعوق دون إقامتها سوى من صلاة واحدة تقام في مدينة سيهات، من قبل مقلدي آية العظمى الشيخ حسين العصفور (قده)، فكان لسماحته الفضل في تكثيفها في المشهد الديني في مدينة القطيف، حيث أقيمت بعدها في مدن صفوى وتاروت والقطيف.
كان لسماحته - رضوان الله عليه- دور فيإثراء وتغذية الساحة الإسلامية بالكثير من المحاضرات الرسالية المتنوعة، بالإضافة إلى المقالات والنشرات التي نشرت في المجلات والمطويات ومواقع الانترنت وغيرها.
سعى الشيخ نمر باقر النمر جاهداً لتفعيل دور المرأة في المنطقة واستثمار طاقاتها في المجالين الديني والاجتماعي، والعمل على صقل كفاءتها وإبرازها في الوسط النسائي، ابتداءً من المشاركة والحضور في صلاة الجماعة في المسجد، مروراً بالمشاركة في البرامج الدينية المختلفة، وانتهاءً بالمشاركة في قيادة المجتمع، وقد تكلل سعيه بالنجاح حيث تخرّجت من مدرسته ثلة من الأخوات العالمات الرساليات القادرات على إدارة العمل الديني والمشاركة
في الأنشطة خطابة وكتابة وقيادة، فتشكل للمرأة واقع ديني مختلف يتميز بالنشاط والفاعلية والانطلاق.
وعرف عنه محاربة العرف الاجتماعي والديني "الجاهلي والتقاليد البالية"، حمل على عاتقه كسر الآصار والأغلال الاجتماعية السيئة التي تعيق تقدم الإنسان، وعمل على "تيسير الزواج" و دعا سماحته إلى تقليل التكاليف الباهظة للزواج، لتزويج العزاب والعازبات، وسعى إلى الإقناع باعتماد (مهر الزهراء سلام الله عليها) بدلاً من المهور المرتفعة الذي يرمي بعوائق الزواج وتكاليفها الباهضة التي تثقل عاتق الشباب والشبائب، وتحول دون المساهمة في تسهيل أمور الزواج.
أنشأ سماحته حوزة دينية إذ كانت بداية انطلاقتها باسم (المعهد الإسلامي)، وقد حوت في صفوفها الدراسية الرجال والنساء في قسمين منفصلين، ومن ثم تم استحداث أقسام أخرى وهي: قسم النشء (بنين) ثم (بنات)، والقسم القرآني النسائي، بإدارة وتدريس من طلبة الحوزة وخارجها.
اهتم بقضية البقيع: نادى وبصوت مدوي بقضية قبب أئمة البقيع التي هدمت في الثامن من شوال لعام، ونادى بإقامة مهرجان بسيط لإحياء هذا الحدث تحت عنوان: (البقيع حدث مغيب)، وله العديد من النشاطات الآخرة.
ما بعد الحراك السلمي ..
وفي ظل المناخ السياسي الذي عايشته المنطقة مع بداية ٢٠١١م نظمت مجاميع شبابية في القطيف عدة مسيرات للمطالبة بالإفراج عن تسعة سجناء مضى على اعتقالهم في حينها ستة عشراً عاماً وقد عرفوا (بالسجناء المنسيين).
ومع دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين اتسعت رقعة الحراك والاحتجاجات في القطيف فقابلتها السلطة باعتقال المئات من الشباب بتهمة ارتباطهم بالاحتجاجات وقد تصدى آية الله المجاهد النمر بكل قوة للدفاع عن حق الشعب القطيفي في الاحتجاج والتعبير عن الرأي.
في الثامن من يوليو ٢٠١٢م أقدمت السلطات السعودية على اعتقال آية الله النمر إذ فتحت عليه الرصاص الحي فأصيب على إثرها بأربع رصاصات في فخذه الأيمن، وقامت بنقله إلى المستشفى العسكري في الظهران، وهو فاقدا للوعي، ومن ثم نقلته إلى مستشفى قوى الأمن بالرياض ثم إلى سجن الحائر.
في مارس من عام ٢٠١٣م بدأت الحكومة السعودية بأولى جلسات محاكمته وبدون إخبار سابق لذويه، وقد طالب فيها المدعي العام على بإقامة حد الحرابة (القتل) على آية الله النمر وقد ساق تهماً ملفقة على سماحته.
الشيخ النمر وختام الشهادة ..
ومع بداية العام الميلادي ٢٠١٦م في يوم السبت الثاني من يناير، والموافق ٢٢ربيع الأول ١٤٣٧هـ، نفذت الداخلية السعودية حكم الإعدام بسماحته وثلاثة آخرين من أبناء القطيف، بتهمة الإرهاب.
أضيف بتاريخ :2016/01/02