ليس في التكفير مغنم
التكفير، إخراج المسلم من الدين، والحكم عليه بالردّة، موجود في معظم الفرق الإسلامية، مع الأسف، وهناك من ذهب به إلى مذاهب بعيدة في الغلو، لدرجة أنه أصبح سلاحاً للاحتراب، ولدرجة أننا وجدنا أحد نظّار علم الكلام المشهورين، أبو إسحاق الإسفراييني، يقول: أكفّر من يكفّرني. في محاولة منه للذبّ عن نفسه من وجهين، فهو هنا يدرأ التكفير عن نفسه، ثم يبيح لنفسه تكفير من كفّره بحجة أنه كفّر مسلماً، والنصوص تدل على أن من كفّر مسلماً فقد كفر.
لو رجعنا لتاريخ الفرق الإسلامية، لوجدنا أن الخوارج هم أول من استخدم سلاح التكفير ضد المخالف في قصة التحكيم، فادعوا أن المتحاربين في صفين من الصحابة قد حكّموا الرجال في دينهم وتركوا كتاب الله، فكفّروا الطرفين. وفي هذا يقول ابن تيمية، إن أول من استدل بعموم آية (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) هم الخوارج. في هذا تنبيه لمن يكفّر الحكومات في زمننا هذا مستدلاً بنفس الآية، فمنزعهم هو نفسه منزع الخوارج.
الخوارج حقيقة كانوا كارثة كبرى على الأمة الإسلامية، وما زالوا، فأوجه الشبه بين داعش والقاعدة والخوارج لا تخطئها العين، فكلهم كانوا عذاباً على المسلمين، سلماً لأعدائهم، لأنه قد ترسخ في أذهانهم منذ فترة مبكرة، أن قتل المسلم المرتد أولى وأحب إلى الله من قتل الكافر الأصلي. وهكذا عاشوا طوال القرون الماضية من عُمر الإسلام، على ضفاف الدول الإسلامية، يقرأون القرآن ولا يجاوز تراقيهم، يغيرون كاللصوص ويختفون في الظلام كاللصوص أيضاً، وكانت دول الإسلام تتعامل معهم معاملة المجرمين الذين يجب القضاء عليهم لحماية تلك الدول ومواطنيها من شرورهم.
أما العقلاء من العلماء والنظّار فيعلمون من نصوص الدين القويم أنه ليس في التكفير مغنم. ليس في التكفير أي فائدة للمسلم الذي أغرته لذّة التكفير فدخل في هذا الطريق الموحش. فصاحبه يدور بين الإثم والسلامة من الإثم من ناحية التنظير، وواقعاً لا سلامة، فكلنا يعرف أين انتهت بأصحابها هذه الدروب. لذلك جاءت نصوص فقهاء الحنابلة أنه لا قيمة لمثل هذه الأحكام إن لم تدوّن عند قاضٍ. وما قرره الفقهاء الحنابلة هنا هو غاية الحكمة في هذه القضية، فالمحاكم الشرعية هي وحدها المخوّلة بالنظر في مثل هذه القضايا. وكان القاضي الورع يتحرج ويراجع من هم أعلم منه إذا عرضت عليه مثل هذه القضايا، ولم يخطر بباله أن من الشباب الصغار من سينطلق متطوعاً ومتحمساً للخوض في تكفير الأفراد والجماعات، تدفعه لذلك تلك اللذّة الحفيّة للتكفير، وحب الزعامة.
إننا بحاجة إلى أن نرفع هذا الشعار (ليس في التكفير مغنم) لكي ينتبه من يخوض في القضية دون أن ينبهه أحد إلى أنه خاسر حتماً في هذه الصفقة من كل الوجوه. ولكي تبقى هذه القضية في مكانها الصحيح، المحاكم الشرعية، التي يعرف قُضاتها ما في إطلاق هذه الأحكام من خطورة ويعرفون جيداً ما وفّره الإسلام من خطوط للرجعة ويعرفون كيف يتعاملون مع الخطأ والمخطئ بصورة لا شك أنها لا تقارن بطريقة حدثاء الأسنان الذين يقرأون القرآن ولا يجاوز تراقيهم.
الكاتب: خالد الغنامي.
صحيفة الشرق السعودية.
أضيف بتاريخ :2015/10/18