تركيا وتجليات الأزمة خارجياً
أحمد القثامي ..
جاءت محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا كزلزال داخلي له توابعه المفترضة، وإن كان أثره أقل بكثير مما لو نجحت حركة التمرد العسكري تلك، على السلطة. حيث أخذت الحكومة وفي سباق مع الزمن تقوم بعمليات اعتقال واسعة للمتورطين في الانقلاب، بلغ عدة آلاف في بضعة أيام، من منتمين للمؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية مما يشي بحجم تلك القوى النافذة التي دبرت الانقلاب.
فانضواء قيادات عسكرية كبيرة وتحرك جزء من المؤسسة العسكرية للإطاحة بالنظام السياسي هو في حد ذاته مؤشر على احتقان متضخم يسكن بداخل هذه المجموعة نتيجة رفضٍ لسياسة الدولة بقيادة أردوغان، حتى مع احتمالية وجود دعم خارجي، إلا أن مثل ذلك الدعم ليس له القدرة على صناعة الانقلاب، لأن ذلك ربما لا يتم إلا في دولة ضعيفة وفاشلة وهو مُحال إزاء دولة كبيرة ذات مؤسسات متماسكة وفاعلة كتركيا. فلم يكن بمقدور الحركة العسكرية المنقلبة أن تعيش لأكثر من ساعات قليلة، لتفقد توازنها بفعل الزخم الشعبي والسياسي الرافض لها بشكل مطلق، فكانت الهبَّة الشعبيّة هي كلمة السر في إفشال الانقلاب وإصابته بالضربة القاضية. غير أنَّ مدار الحديث هو مدى انعكاس تلك الأحداث وتأثُّر السياسة الخارجية التركية بها، خصوصاً فيما يتعلق بأكثر ملفات المنطقة التهاباً وهي الأزمة السورية التي تُمثل حجر الزاوية في صراع محتدم سيفضي لصياغة نظام إقليمي جديد، ينبني له نمط مغاير من العلاقات بين دُوله ويعاد تشكّل خارطة النفوذ فيه. فتركيا التي تُعد قوة مؤثرة في إحدى جبهتي هذه المجابهة الحدّيّة، أخذ موقفها مؤخراً في الخفوت نتيجة ما أفرزته المتغيرات السياسية، حينما وجدت الحليف الأمريكي ينحُو لرسم واقع جديد نتيجة لرؤية حربها على داعش، فاتخذت واشنطن من الأكراد لاعباً رئيسياً يتم دعمهم بالسلاح وحتى بالقوات على الأرض، رغم تحفظ الأتراك الشديد، الذين يخشون تعاظم القوة الكردية وزيادة تطلعها لحلمها بدولة قومية تضم في جزء منها أكراد تركيا، وهو تهديد صريح للأمن القومي التركي. ذلك دفع أنقرة لإعادة تقييم مواقفها، فسعت لإصلاح علاقتها المتداعية مع روسيا وتطبيع علاقاتها مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، إضافة لتصريحات رئيس الوزراء عن ضرورة وجود علاقات طبيعية مع العراق وسوريا، إلا أن الحزب الحاكم تدارك تلك التصريحات فيما يخص نظام سفاح الشام بأن بقاءه في الحكم يحُول دون ذلك. وكأن هناك استشعاراً للخطر من التطورات في المسألة السورية وهو ما عززته التسريبات من بعض وسائل الإعلام الأمريكية من وجود اتفاق أمريكي- روسي، يتيح للروس حماية الأسد وقبول مشاركة قواته في محاربة التنظيمات المتطرفة، وهو ما يُشكل اعترافاً ضمنياً بشرعية بقاء النظام الإجرامي في الحكم أو حتى إعادة إنتاجه برعاية روسية. فأي انْحِسار للدور التركي قد لا يتأتَّى من ضعف بل من ضرورة إعادة تنظيم البيت الداخلي لها، حيث إنّ الحركة الانقلابية وجدت في حالة التوتر الإقليمي فرصة لتمتطيها، مُتخذة من مناخ الأزمة سبيلاً للوثوب على السلطة، فلا انفصال بين ما تواجهه تركيا داخلياً وخارجياً. فمن الصعب على دولة ما أن تنعم بالاستقرار في محيط مضطرب، وجوار مُتحفز ضدها لا يُخفي نبرته العدائية لها، ونظام دولي يدير الأزمة العميقة بما يلائم مصالحه، فيتخذ منها أداة اعتراك مع قوى أخرى، فذلك يجعل الأتراك يوازنون بين الرغبة في المكاسب وتلافي الخسائر، مما يُحيل خطواتهم لتكون أكثر أناة وبعيدة عن الاندفاع، فهو أصبح كالسير على حبل معلق، فأقل خطأ قد يكلف الكثير، فما حدث في تركيا قد يكون ثمن موقفها السياسي من المأساة السورية، فمن يستبقي نظاماً متهالكاً كالنظام السوري إنما يفعل ذلك بغية تحقيق مآربه، والتي حينما تتحقق فسيكون النظام المجرم جزءا من ماض لا أكثر..
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2016/07/21