كيسنجر وكارتر ومستقبل المنطقة
مُستشارُ الأمن القومي ووزيرُ الخارجيَّة الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، عمره الآن 92 عامًا، لكنَّ كُلَّ كلمة يكتبُها لها وزنُها المؤثّر، وبالتالي فإنَّ ما كتبه من مقال ونشره في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركيَّة بتاريخ (17 أكتوبر/ تشرين الأول 2015)، أصبح محورًا للحديث داخل وخارج أميركا؛ وذلك لأنَّه تحدَّث عن «الحاجة إلى استراتيجيّة أميركيّة جديدة في الشرق الأوسط».
مِثلُ هذا الطرح، ليس مستغربًا؛ لأنَّ كيسنجر يمثّل السياسة الحادّة، التي يتبنّاها الجمهوريّون في الولايات المتحدة الأميركيّة، وهي بطبيعة الحال لا تتّفق مع سياسة الديمقراطيّين في عهد الرئيس الحالي باراك أوباما.
بعد أيام، في (23 أكتوبر 2015)، نشر الرئيس الأميركيُّ الأسبق جيمي كارتر مقالاً يمثّل وجهة نظر أُخرى، يتبناها الديمقراطيُّون في أميركا... وكارتر الذي يبلغ من العمر 91 عامًا له أثره المماثل لكيسنجر، وكلمته مؤثّرة أيضًا، ونشر مقاله في صحيفة «نيويورك تايمز» تحت عنوان: «خطَّة إشراك خمس دول لإنهاء الأزمة السوريَّة»، والدول الخمس التي يقترحها كارتر، هي: أميركا، روسيا، تركيا، السعودية وإيران.
كيسنجر، الذي شغل حقيبة الخارجيَّة في إدارتي الرئيسين الجمهوريَّين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، يرى أنَّ المخرج يتطلَّب إنهاء سيطرة التنظيمات الإرهابيَّة على المساحات السوريَّة والعراقيَّة، وإعادة السيطرة السياسيَّة إلى جهات غير متطرّفة، على أنْ يتزامن ذلك مع تحديد مصير الدولة السوريَّة، على أساس بُنيةٍ فيدراليَّة طائفيَّة، وأنْ يلعب الأميركان دور الضامن للدول التقليديَّة.
غير أنَّ التحليل والمنطق اللذين يستخدمهما كيسنجر يعتمدان على وجهات نظر تؤمن بتقسيم بُلدان المنطقة طائفيّاً وإثنيّاً، وأنَّ تحقيق الاستقرار لا يتمُّ إلا عبر هيمنة أميركيّة تُثبّتُ الوضع بصورة تحفظ مصالحها الحيويَّة، وفي الوقت ذاته توفّر الاستقرار المطلوب... لكنَّ هذه الفكرة ليست جديدة، وهي ربما التي أوصلت الأوضاع السياسيَّة إلى ما هي عليه الآن.
كارتر، الذي جاءت رئاسته في نهاية السبعينات، بعد العهد الذي ساد فيه كيسنجر، طرح وجهة نظر أُخرى؛ للخروج من الجهود العقيمة التي لم تحل الأزمة، واعتبر أنَّ السبب في ذلك هو عدم التوافق بين أميركا وروسيا ودول إقليميَّة أساسيَّة، وأنَّ هذه القوى أمامها تحدّيات متماثلة، ولها مصالح مشتركة، وعلى أساس ذلك يمكنها التوافق على خطَّة سلام شامل.
صراع الأفكار وتلاقح الآراء أمر طبيعي، لكنَّ تداول كبار السياسيّين والمؤثّرين الأميركان الحديث عبر المقالات بشأن مستقبل المنطقة يؤشر إلى جديَّة التطوُّرات الأخيرة.
الكاتب: منصور الجمري
* المقال لصحيفة الوسط البحرينية.
أضيف بتاريخ :2015/10/25