الأمطار تكشف هشاشة المدائن العربية
قاسم حسين
ليس صدفةً في هذه المرحلة التاريخية، أن يتعرض عددٌ من أجمل المدن والعواصم العربية إلى الغرق في مياه الأمطار والمجاري وأكوام الزبالة وفيضانات البحر.
لقد ارتبط العام 2011 بثورات وحراكات «الربيع العربي» الذي خرجت فيه الشعوب العربية للمطالبة باسترداد حقوقها وحرياتها وكرامتها الإنسانية، وربما سيرتبط العام 2015 بحوادث الغرق في مياه البحر والمجاري والأمطار. وهو أمرٌ له دلالة عميقة، على تهتك البنية التحتية وسوء الإدارة الحكومية، كما كان للربيع العربي دلالته على فشل الأنظمة وسياسات التنمية بعد الاستقلال.
في الأردن، أغرقت مياه الأمطار الشوارع الأسبوع الماضي، وجرفت عدداً كبيراً من السيارات، وأدت إلى مقتل بعض الأشخاص، وشلل الحركة المرورية، وتعليق الدراسة في عددٍ من المناطق. وقد أظهرت الصور ومقاطع الفيديو الكثيرة سيارات عالقة وسط الأنفاق التي تغمرها المياه، وبعض الأردنيين يصعدون على ظهرها لالتقاط الصور، بينما كان آخرون يغادرون سياراتهم على عجلٍ للنجاة بحياتهم.
في مصر، أغرقت مياه الأمطار عروس البحر الأبيض المتوسط، الاسكندرية، وأدّت إلى انهيار مبانٍ ومقتل ستة بسبب المطر وكرات الثلج. كما أدت إلى غمر الشوارع والميادين والأنفاق بالمياه في مناطق أخرى، بما فيها العاصمة ومحافظات أخرى كالبحيرة ودمنهور، وتضرر المئات ممن يعيشون في عشش الصفيح والمنازل الآيلة للسقوط. في محافظة البحيرة وحدها قُتل 25 مصرياً، وقطع الأهالي الطريق الموصل بين القاهرة والاسكندرية احتجاجاً على ما أسمَوه «تقاعس» السلطات عن فعل أي شيء لإنقاذ منازلهم وزراعتهم، وقام بعضهم بحرق الإطارات يومي السبت والأحد الماضيين، بينما جلس آخرون في الشوارع، في ظاهرة جديدة وغريبة بدأت تظهر في بلداننا العربية. ونقل التلفزيون الرسمي أن الرئيس السيسي زار الاسكندرية وأمر بتعويض المتضررين.
من أكثر الصور المؤثّرة صورة رجل مصري يستند إلى الجدار وقد أغمض عينيه يائساً حزيناً لا يملك حيلةً، بينما ملأت المياه الآسنة المختلطة بالأوساخ والقاذورات الغرفة إلى مستوى خاصرته. حتى في الجزائر، أدت الأمطار في الجنوب إلى مقتل 16 مواطناً.
في المشرق، ضربت الأمطار العراق، وأدّت الفيضانات في بغداد ومحافظات أخرى، إلى مقتل العشرات، من بينهم 58 صعقاً بالكهرباء، حيث تنتشر الأسلاك والتمديدات الكهربائية على الأعمدة وتتدلى في الشوارع، في الكثير من المدن. وقد كشفت هذه السيول الواقع المزري للبنية التحتية المتهتكة التي فشلت الحكومة الجديدة في إعادة بنائها بعد سقوط الحكم الدكتاتوري، مع انتشار حكايات كثيرة عن قضايا الفساد والصفقات المشبوهة وزيادة نقمة الشعب على النخبة السياسية الغارقة في الفساد.
المأساة الأكبر في بيروت، جميلة المدن العربية، التي فشلت النخبة السياسية المنقسمة على نفسها، حتى في الوصول إلى حلٍّ لمشكلة التخلص من النفايات. فالرئاسة شاغرة، والحكومة مشلولة، والبرلمان يعيد التجديد لنفسه كل بضعة أشهر، والبلد كله معطل، وجاءت سيول الأمطار لتجرف أطنان النفايات وتعيد تدويرها بين شوارع بيروت. كان منظر أكياس القمامة وهي تطفو وتدور، منظراً سريالياً مفعماً بالأسى إلى ما آلت إليه بيروت الجميلة.
نحن في الخليج لسنا بمأمن من هذه الكوارث الطبيعية، فقد أدت الأمطار إلى مقتل ستة في عمان، بينهم سيدة عمانية مع ثلاث من بناتها، بعد أن جرفت السيول سيارتهم، فيما تمّ انتشال الأب ونقله إلى المستشفى، بالإضافة إلى مقتل رجل آسيوي وطفل. وقبل سنوات تعرّضت مدينة جدة إلى سيول وأمطار تكشّفت عن المشاكل ذاتها، وأثارت الكثير من الانتقادات في الصحافة السعودية.
لقد كشف الربيع العربي عن تهتك النظام الرسمي العربي وفشل كل ما كانت تدعيه الأنظمة من تنميةٍ طوال عقود، بينما كشفت الأمطار العابرة نكبة شعوبنا وهشاشة دولنا، وتهتك البنية التحتية في العواصم والمدن والأرياف العربية من المحيط إلى الخليج.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2015/11/12