آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد عبد الله محمد
عن الكاتب :
كاتب بحريني

الأسد الجريح

 

محمد عبدالله محمد

دعونا نتحدث بشيء من الصراحة. ماذا يوجد في العراق (الذي هو كالأسد الجريح اليوم في ضعفه وهوانه) كي يلتفت إليه الجميع ويطمعوا فيه؟ باختصار، يوجد في العراق ما تحتاجه كل دولة في العالم: ألا تحتاج الدول إلى نفط؟ بالتأكيد نعم، والعراق فيه نفط يساوي كل احتياطات الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك وأوروبا الغربية واستراليا ونيوزيلاندا والصين وآسيا غير الشرق أوسطية ما يعني أن لديه 115 مليار برميل!

 

ثم أليست المعادن هي عصب الصناعات وبالتالي بناء الاقتصاديات المتينة للدول؟ بلى، والعراق يسكن في جوفه الغاز والزئبق والرصاص والنحاس والكروم والحديد والمرمر و600 مليون طن من الكبريت و10 مليارات طن من الفوسفات و50 مليون طن من الملح و22 مليون طن من كبريتات الصوديوم، و8 مليارات طن من الحجر الكلسي، و330 مليون طن من الدولومايت وبالتالي نحن نتحدث عن مجال هائل للموارد الرافدة للصناعة، ولتقوية أي مشاريع للأسمدة النتروجينية والمُركَّبة.

 

ثم ألا تطمع الدول إلى تجذير تاريخها وبالتالي أطماعها وادعاءاتها في مناطق عدة خارج حدودها؟ بلى، والعراق مهد الحضارات: كان فيه (أو مرّ به أو جاوره) الأكديون والكوتيون والكيشيون والإخمينيون والعيلاميون والبيزنطيون والجلائريون والصفويون والعثمانيون واليهود والفرس والمغول. وهو ما يعني أنه مأوى أفئدة كافة المحيط الإقليمي من آسيا الوسطى حتى جنوب شرق آسيا.

 

هذا المشهد يُلخِّص لنا حقيقة العراق وأطماع الآخرين فيه. الأزمة الأخيرة التي حصلت، والتي تمثلت في دخول قوات تركية قوامها ألفا جندي إلى منطقتَيْ بعشيقة وبامرني في الموصل بتسهيلات كردية لا تخرج عن ذلك المدار، لكن ما يجب قراءته في ذلك التطور هو تكبير المجهر كي نراه جيداً، عبر استدعاء عوامل عدة فرضتها التطورات الأخيرة في غرب آسيا ووسطها.

 

 

أبدأ أولاً بعامل التاريخ. إذْ لا يمكن فصل ما يجري اليوم في الموصل وعلى تخوم أكراد كردستان عما كانت عليه تركيا العثمانية من علاقة بشمال العراق. ففي سنة 1878م قام العثمانيون بفصل الموصل عن بغداد، لتضاف إلى شهروز والسليمانية. وكان ذلك الفصل في مجمله متعلقاً بأوضاع عراقية أخرى تتصل بولاية البصرة التي كانت حدودها أوسع من الآن بكثير. وقد أدى تحالف المنتفكيين مع العثمانيين إلى جعلها (أي البصرة) في حالة صلح مع الدولة العثمانية.

 

من جانب آخر لا يمكن اختزال العلاقة التركية الكردية بما يجري في جنوب تركيا بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة. فالعلاقات التركية مع الحواضن الكردية في الإقليم (تركيا والعراق وإيران وسورية) مختلفة في منسوبها. فعلاقاتها مع أكراد العراق (وهو ما يهمنا) بدأت منذ قرون وتعززت خلال حكم السلطان سليم الأول، عندما تقرَّب منهم بحجج مذهبية، وذلك لمعاونته في قتال الصفويين في جالديران، فكافأهم بإعطائهم نفوذاً وأراضي في شمال العراق كانت هي بالأساس تحت سيطرة الآستانة.

 

كما نسج محمود الحفيد البرزنجي علاقات مع الأتراك بعد الحرب العالمية الأولى كي يُساندوه للحصول على دولة كردية في شمال العراق، حيث كان الجيش التركي متواجداً في السليمانية. لكنه لم يُفلح بعد ضمّ السليمانية إلى العراق العام 1923م ثم الموصل العام 1925م بقرار أممي، وهو ما جعل الأكراد يعيشون ضمن العراق الموحد كأمر واقع.

 

لذلك، فإن التوغل التركي الأخير لا يمكن فصله عن هذا التاريخ، الذي يُريده الأتراك أن يتكرر، سواء عبر الجَنبَة المذهبية أو عبر الأكراد والتركمان من منطلق عرقي. وهذان المدخلان في المحصلة يخدمان النفوذ التركي. وليس غريباً أن نتلمس عودة للتاريخ عبر حالة الرضا من كتل طائفية وعرقية صرّحت مؤخراً بأن التدخل التركي محدود، بل وقال آخرون بأنهم «مع الحراك التركي قلباً وقالباً، لأنّه يجنّب أهالي المدن كوارث عدّة» أو كما قال أحدهم أنه «لا يجب إعطاء الموضوع أكبر من حجمه»!.

الجانب الآخر في هذا المشهد هو المسألة الاقتصادية. في السابق كان العثمانيون ينظرون إلى الموصل ككنز لـ مكامن الاسفلت من كركوك حتى مندلي، ومن الموصل حتى بغداد وعلى ضفاف الفرات في هيت، وأيضاً كمركز زراعي للتبغ كما يذكر أكسندر أداموف. اليوم، تغيَّرت اكتشافات الموارد وأصبحت أوسع بعدما أضيفت لها موارد الإقليم الكردي في الشمال، حيث الطاقة النفطية والغازية بالإضافة إلى معادن الأرض.

 

فتركيا، التي كانت تطمح للغاز المصري ولم تنله، والغاز السوري ولم تحصل عليه، والآن مع تهديد روسيا بإيقاف تصدير الغاز إلى تركيا (الذي يُمثل 60 بالمئة من احتياجاتها)، وبعد تذبذب تصدير الـ 10 مليارات متر مكعب من الغاز الإيراني بعد تفجير دوبايزيد فإن أنقرة مضطرة لتأمين احتياجاتها من الطاقة من مصادر أخرى، وربما يكون شمال العراق، الذي به 17 بالمئة من نفط العراق، هو البطن الرخو الذي تستطيع من خلاله تركيا توفير ما تحتاجه من طاقة.

 

العاملان التاريخي والاقتصادي هما تفسيران مهمّان لفهم الخطوة التركية تجاه شمال العراق، وهما مقدَّمان على العامل التركماني العرقي؛ فتركيا لم تقم بخطوة التوغل سابقاً، على رغم اجتياح داعش لمناطق تركمانية في شمال العراق! كما تجدر الإشارة هنا إلى أن منطقة بعشيقة هي عشرون قرية تقطنها «غالبية مسيحية من الروم الأرثوذكس والكاثوليك وطوائف دينية أخرى، مثل الأيزيدية والزرادشتية وأقليّة من التركمان» وهو ما يؤكد ما نقول.

 

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2015/12/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد