نعم يرضينا
خلف الحربي
نعم يرضينا.. هذه العبارة التي أجاب بها بعض زوار معرض جدة لأحد المقتحمين المسمين زورا (محتسبين) حين سألهم وسط الأمسية الشعرية الحاشدة: (هل يرضيكم هذا يا إخوان؟). نعم يرضينا.. هذه هي الجملة السحرية التي كان يحتاجها المجتمع السعودي منذ عشرات السنين في مواجهة فرق الوصاية العشوائية التي أزعجت البشر والشجر والحجر من خلال محاولاتها المتكررة لفرض شروطها الخاصة على ذرة أوكسجين في حياتنا.
نعم يرضينا.. هذه العبارة تعادل في أهميتها قول أرخميدس (وجدتها.. وجدتها) أو قول ديكارت: (أنا أفكر إذن أنا موجود)، وهي لا يمكن أن تصدر إلا عن روح عبقرية مثل تلك الروح التي ميزت جدة وأهلها عبر الزمان.. لأن الأساس هو السعي لنيل رضا الله عز وجل وليس إضاعة العمر في محاولة إرضاء مجموعة من الأشخاص الذين يظنون أن شروط الدين لا تكتمل إلا بإرضاهم.. وليتهم يرضون حين يستسلم الناس لوصايتهم!.. فتدخلاتهم في كل شيء لم تنقطع في يوم من الأيام لأنهم يستمدون وجودهم وأهميتهم من تقمص حالة عدم الرضا.
نعم يرضينا.. هذا هو صوت الأغلبية الساحقة التي تريد أن تمارس حقها في الحياة الطبيعية تحت مظلة القانون والنظام سواء خلال الأنشطة التي تنظمها المؤسسات الحكومية أو تلك التي ينظمها القطاع الخاص، وسبق أن عبرت هذه الأغلبية عن رفضها الصريح للدعوات المتكررة من قبل فرق الوصاية لمقاطعة معرض الرياض للكتاب، من خلال الحضور الكثيف الذي تجاوز في عدده حاجز المليوني زائر، ليصبح في سنوات قليلة أحدا من أهم معارض الكتب في العالم العربي إن لم يكن أهمها على الإطلاق.
نعم يرضينا.. أن نختار شكل حياتنا بناء على قناعاتنا لا بناء على قناعات كل عابر سبيل، فالذي لا يريد هذا النشاط أو تلك الفعالية ليس عليه إلا أن يمتنع عن حضوره لا أن يحاول اقتحامه وتخريبه والتشويش على الحضور من خلال تصنع دور سلطوي لم يكلفه به أحد، أو من خلال تقمص شكل ديني يضعه في مرتبة أعلى من بقية المواطنين والمقيمين، رغم أن ذلك قد لا يكون صحيحا بالضرورة، وهو في كل الأحوال شكل من أشكال قفز فرد عابر على المؤسسة وعلى النظام ليقرر بالنيابة عن الجميع ما هو الصواب وما هو الخطأ.
نعم يرضينا.. نعم يرضينا.. نعم يرضينا.. نعم يرضينا.. عبارة لا يمل من تكرارها لأن من صرخ بالسؤال: (هل يرضيكم؟) كان يتوقع إجابة واحدة من الجمهور هي: (لا يرضينا بتاتا البتة يا أبا عكاشة)، ومثله الكثيرون ممن سحقت شخصياتهم حملات الوصاية الممنهجة، الذين كانوا يتوقعون الإجابة ذاتها لأنهم يرون بأن الأصول أن يقولوا: (لا) في العلن و(نعم) في السر.. ولكن جدة دائما غير.
عكاظ
أضيف بتاريخ :2015/12/15