«طائفي» يتهم غرماءه بالطائفية
يعقوب سيادي
بين الحين والآخر، وبحسب العلاقات الدولية، في مدها وجزرها بين الدول، وخاصة تلك الدول صاحبة النفوذ في مناطق التوترات السياسية، فهي تملي على عداها من دول المنطقة، ما يقوي موقفها وطموحاتها تجاه مواقف وطموحات الدول الأخرى ذات النفوذ المقابل، فتصطف باقي الدول الأقل قوة ونفوذاً، إلى جانب هذه الدولة أو تلك.
وقد نشبت الحروب، التي أودت بأرواح ملايين البشر، وبمجروحين ومعوقين مثلهم، نتيجة تلك التوترات، التي لم ترَ تلك الدول حلاًّ لها غير التطاحن في الحروب، ليتبقَّى أقل مِمَّن هلك من البشر، ليعتاش على ما خلفته تلك الملايين الهالكة.
فما الذي يجعل من الإنسان محارباً وقاتلاً لأخيه الإنسان؟ في ظل حالة من الترقب الحذِر من أحدهما تجاه الآخر؟ والذي قد يطول مداه، لكن الأكيد أن تطول نتائجه وتتناسل ضغائنه في عدة أجيال؟
قطعاً هي إما الحالة غير الإنسانية من أحدهما، الذي يتحول إلى وحش في صورة إنسان، وإما حالة كليهما الوحشية وانعدام الإنسانية في كليهما، ولكن الحالة الأولى هي الغالبة بين الحالتين بالشذوذ الإنساني، وخاصة من بعد ارتقاء الإنسان إلى العصور الحديثة، التي تسودها النظم والقوانين والتواصل الإنساني.
وإحدى هذه الصور الوحشية للإنسان الحديث هي الطائفية الدينية البغيضة، التي يتقاتل بدوافعها الطائفيون، ويقتل واحدهم من طائفة، آخر من طائفة أخرى، ويهلل بأنه أنفذ إرادة الله في الأرض وفي الحياة الدنيا، لقناعته المكذوبة بأن طائفته هي العرق السامي، الموكولة من الله إقامة حد القتل بحز الرقاب، بحق كل مختلف، ليترقب دنوَّ الآخرة لتصفو به وله.
وللطائفية عدة متلبسات وصور، مِن اعتقاد السمو وامتلاك القوة قبالة الفقر والضعف، أو اعتقاد العرق الأسمى عند الطائفي قبالة استصغاره الأعراق الأخرى بأنها أدنى منزلة وبالتالي هي أدنى حقّاً بالحياة، أو المعتقد الديني بالوكالة عن الله في الأرض، وتولَّدت عنه مؤخراً بالتفرع والتكاثر، المعتقدات المذهبية أو معتقدات الفِرَق في كل دين، كما تتبدى الطائفية أيضاً لدى البعض في المعتقد الفكري والمعتقد السياسي، وهكذا تتداخل الممارسات الطائفية النافية للآخر.
لكن الأدهى والأمرَّ، حين يصادفك طائفي، فاقع في ممارساته وتداولاته الطائفية، ويَصِف آخر بالطائفية! فتراه يبادر الآخر بالحديث، حول أمرٍ ممنوع الحديث في خلافه، فما بالك بنقده فكريّاً وإثبات سمته الطائفية، فيسهب مثلاً في تمجيد طرف ما، تماشياً مع المسموح، ويذم دون بَيَّنَة، وينقل المنقول دون سند، ودون التيقن والإثبات، ويكرر القول مجهول المصدر، للنيل من طرف آخر، وأيضاً تماشياً مع المسموح، وكلا هذين الطرفين اللذين يتناولهما، هما خارج المساحة الوطنية، بحال أن الداخل الوطني غير معني عنده، من حيث إنه يتحاشى الولوج في الحديث حتى بالرأي، في إعلان موقفه الحقوقي مما يجري في الداخل، أو إذا فعل، أبان طائفيته بناء على انحيازه ضد الآخر، بالميزان المذهبي، وإن حاول إخفاءه ما استطاع، بتكرار جملٍ تعدتها المرحلة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
فإن نطق في ذلك، تراه ينعق نعيق البوم، يجلب الشؤم والدمار للسلم الأهلي والاستقرار المجتمعي، بعلم أو من دونه، فيمارس ويتلفظ واقع الانفصال المذهبي، ليُبايِنِ ذاته بأنه مغاير، من باب تبيان الانتماء المذهبي إلى الطرف الآخر، طلباً في التَّدَثُّر برداء يحميه ويُغدق عليه.
وهو بذلك يتمسك بأن فكره ومذهبه الصواب ومثواه الجنة، والآخر شريكه في الوطن، فكره ومذهبه مذموم ومثواه النار، ويرى أنه أحق من الآخر بالبقاء، والتمتع بخيرات الوطن، ولو كان الأمر بيده لنفى الآخر من الوطن، من أجل أن يتضاعف حشو بطنه بما يفقده الآخر، وله في ذلك من الوسيلة، أن يرمي الآخر بالخيانة، ويحسبه على أجرم المجرمين خلقاً وابتعاداً عن الإنسانية، بدفع أنهما يشتركان في المذهب.
الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/01/20