الجماعات السلفية والإسلاموفوبيا في ألمانيا.. من يخدم الآخر
مأمون كيوان
في ألمانيا يمكن تقسيم السلفية إلى فصيلين: "السلفية الجهادية"، و"السلفية السياسية"، ويجتمع الفصيلان على هدف واحد وهو تأسيس دولة سلفية، ولكنهم يختلفون في طريقة الوصول إلى هدفهم
الإسلاموفوبيا أو الرهاب الإسلامي، مصطلح ظهر حديثا في المجتمعات الغربية معناه التحامل والكراهية تجاه المسلمين، أو الخوف منهم أو من الجماعات العرقية التي ينظر لها على أنها إسلامية. وعرفه الباحثون على أنه نوع من العنصرية، ولكن هذا متنازع عليه. فقد حمل بعض المعلقين على مفهوم الرهاب الإسلامي بأنه يستخدم لتهميش النقد لأشكال مختلفة من الإسلام الأصولي عن طريق الخلط بينها وبين ممارسات فيها تحامل ضد المسلمين. ولجهة النشأة، لوحظ استخدام المصطلح منذ 1976، لكن استعماله بقي نادراً في الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين. ثم انتشر المصطلح انتشاراً سريعاً بعد هجمات 11 سبتمبر.
وترجع أول محاولة تعريف لهذا المصطلح إلى 1997 عندما حدد البريطاني رونيميد تروست في تقريره Islamophobia: A Challenge for Us All "الإسلاموفوبيا كالخوف غير المحدد للإسلام، وبالتالي الخوف الذي قد يخلق الكراهية تجاه كل أو معظم المسلمين". وأول من استعمل اللفظ عند الكتّاب الفرنسيّين ماليه إميل في مقال بعنوان "ثقافة ووحشية" نشره في صحيفة لوموند سنة 1994، إذ تحدّث عن "صنف من الإسلاموفوبيا الزّاحفة".
وتمثلت مظاهر التخويف من الإسلام في التالي: الهجمات اللفظية والجسدية على المسلمين في الأماكن العامة. ولاسيما ضد الشباب والنساء اللواتي يرتدين الحجاب والاعتداء على المساجد وتدنيس مقابر المسلمين، وذلك بالكتابة على الجدران وإلقاء القنابل الحارقة، وانتشار صورة نمطية سلبية عن المسلمين على نطاق واسع في وسائل الإعلام، والأحكام المسبقة في الخطب السياسية والدينية وفي المحادثات والكتابات، والتمييز والإقصاء من الحصول على فرص العمل، وتوفير الخدمات، واستبعاد المسلمين أفرادًا وجماعات من مباشرة الشأن العام والحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وجراء صعود تنظيم "داعش" تزايدت مظاهر الإسلاموفوبيا في عموم دول أوروبا، ففي بريطانيا تعرض العديد من المسلمين إلى اعتداءات مختلفة. وفي ألمانيا ظهرت حركة "بيجيدا" -أوروبيون قوميون ضد أسلمة الغرب- كتيار يميني ألماني متطرف يسعى للتحول إلى حزب سياسي، مستغلاً ارتفاع معدلات حالات الهجمات ضد الأجانب في ألمانيا، ولا سيما اللاجئين. وشهدت ولايات ألمانية مختلفة مظاهرات ضد الأجانب، كما تعرض العديد من نزل اللاجئين إلى الاحتراق أو محاولة إحراقها من قبل مجهولين، وذلك من أجل دفع المهاجرين إلى المغادرة. وكان أحد أبرز مؤسسي حركة "بيجيدا"، لوتز باخمان، وقد صرح بأن "أوروبا سوف تشهد ربيعا أوروبيا، وثورات أوروبية ستسهم في تغيير إيجابي". كما صرح رئيس حزب "البديل لألمانيا" بيرند لوك، والذي يعتبر حزبه أحد الأحزاب الداعمة لحركة "بيجيدا"، العنصرية بـ"أن الإسلام يعتبر بمثابة عدو لألمانيا"! وطالب بحظر بناء المآذن لمعظم المساجد في ألمانيا، ومنع ارتداء النساء للنقاب.
هناك نوعان من التنظيمات الإسلامية في ألمانيا، هما التنظيمات المشروعة والتنظيمات المحظورة. وترتبط غالبية التنظيمات المحظورة بممارسة الأساليب السياسية العنيفة. والنشاط الرئيس للتنظيمات الإسلامية يتركز على جمع التبرعات واستقطاب وتجنيد أفراد جدد ونشر الدعوة.
ويمثل أتباع التنظيمات "الشرعية" غالبية الإسلاميين في ألمانيا، حيث يصل عددهم إلى نحو 33000، ويتركز نشاطهم على محاور: سياسية وتعليمية ودعوية تعبوية. ويتميز هذا النوع من الإسلاميين بالتنظيم الجيد والتخفي تحت جمعيات إسلامية مختلفة، فضلاً عن أنهم يستغلون حضورهم السياسي للتأثير على بعض الموضوعات المجتمعية في ألمانيا مثل مسألة التربية الدينية في المدارس وتأسيس معاهد إعداد الدعاة في ألمانيا، بالإضافة إلى سعيهم الدائم لكسب أعضاء جدد في تنظيماتهم لنشر أيديولوجياتهم الإسلامية، وذلك عن طريق استغلال المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية في ألمانيا، وعقد الندوات الدينية وورش العمل وتقديم دورات مجانية ورحلات ومعسكرات صيفية، وتهدف كل هذه الفعاليات إلى احتواء الشباب وإقناعهم وتنشئتهم على مفهومهم الضيق للإسلام. ولا يعتبر السلفيون فصيلا واحدا متجانسا، فهم أطياف متعددة، أما في ألمانيا فيمكن تقسيمهم إلى فصيلين: "السلفية الجهادية"، و"السلفية السياسية"، ويجتمع الفصيلان على هدف واحد وهو تأسيس دولة سلفية، ولكنهم يختلفون في طريقة الوصول إلى هدفهم.
تتميز "السلفية السياسية" بالقدرة الدعوية والدعائية في الوقت نفسه، فهم يصفون الحركة "بالدعوة"، أي الدعوة إلى الإسلام الصحيح من منظورهم، ويعتبرون الدعوة سلاحهم، أما "السلفية الجهادية" فهي تستخدم السلاح، كما أن تحول الأنصار من السلفية السياسية إلى السلفية الجهادية يحدث بسرعة، والأكيد أن كل أتباع السلفية الجهادية في ألمانيا كانت لهم بدايات ونشاطات مع السلفية السياسية، وهذا يعني أن انتشار أيديولوجية السلفيين يمكن أن يؤدي إلى الإرهاب.
ولا يوجد للسلفيين هيكل تنظيمي واضح أو تنظيم حديدي، كما هو حال جماعات أخرى مثل الإخوان المسلمين، يظهر السلفيون في أغلب الحالات في صورة دعاة أو تنظيمات صغيرة أو مجموعات تتركز في مساجد بعينها في ألمانيا، بالإضافة إلى الأنصار العاديين والمتصلين مع بعضهم البعض داخل وخارج ألمانيا. وهدف السلفيين في ألمانيا هو إنشاء دولة ومجتمع ونظام قضائي (بديل للدستور) يتوافق ومعتقداتهم السلفية، وبذلك يرفضون القيم الديمقراطية الغربية، متعللين بأنها من صنع البشر. ويقدر عدد السلفيين في ألمانيا 4500 سلفي، لكن العدد الفعلي غير معلوم، وذلك بسبب عدم وجود هيكل تنظيمي، فالانضمام والانخراط في البيئة السلفية يتم عادة بشكل غير رسمي، وغالبًا ما يتم من خلال علاقة "التلميذ بأستاذه"، وكذلك "العلاقات الافتراضية" على شبكة الإنترنت، فضلاً عن تواجدهم تحت غطاء منظمات إسلامية مختلفة.
وتعد الجماعة السلفية "الدعوة إلى الجنة"، من أكثر المجموعات السلفية نشاطًا وتأثيرًا في ألمانيا، وينتسب لهذه الجمعية المعتنق (للإسلام) بير فوجل، الذي قام بالتبشير عن طريق شرائط الفيديو على الإنترنت. وقد تم حل هذه الجمعية في2011. أما جماعة "الدين الحق" فتعد الجماعة الأقوى على الساحة السلفية في ألمانيا، ونذكر أيضًا جماعة "ملة إبراهيم"، والذي أدى حلها ومنع نشاطاتها في ألمانيا من قبل وزارة الداخلية الألمانية إلى سفر معظم أعضائها إلى الدول العربية.
وأهم ما يميز السلفيين في ألمانيا في الوقت الراهن إجادتهم استخدام الخطاب الإعلامي الموجه لأنصارهم، فضلاً عن تكثيفهم للفعاليات الدينية للانتشار وكسب محبين جدد، مثل رحلات الحج والعمرة، ورحلات لتعلم اللغة العربية للمسلمين الألمان في الدول العربية، وتعتمد السلفية في ألمانيا على الإنترنت بشكل رئيسي في نشر دعوتها؛ لذلك يوجد عدد كبير من المواقع السلفية باللغة الألمانية، فضلاً عن عدد كبير من الفيديوهات المدبلجة بالألمانية على يوتيوب.
ومن بين الجمعيات المتطرفة المعروفة في ألمانيا،على سبيل المثال جمعية (بيت الثقافات متعددة الأجناس) المحظورة عام 2005، وكذلك (مركز المعلومات الإسلامية) المنحل في سبتمبر 2007 في مدينة أولم/نوي-أولم.
وبالإضافة إلى دعايا شبكة الإنترنت ازداد نشاط دعاة السلفية الإسلامية المتطرفة مثل (إبراهيم أبو ناجي) في مجمل مناطق الاتحاد، ولكنه يتركز في شمال الراين، وستفاليا، وفرانكفورت، وبرلين. ويلاحظ تنامي ما يطلق عليه "الجهاديون أون لاين" أو الجهاد في العالم الافتراضي في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى تكوين الشبكات على الأرض. و"الجهاد كول Jihad Cool". وبالطبع يلعب الإنترنت الدور الرئيس للترويج للأفكار السلفية، فالإنترنت بسيط التكاليف ويستخدمه أغلب الشباب، وبالأخص الفيديوهات والأناشيد يبحث عنها الشباب على الإنترنت. وتوجد تنظيمات أخرى مثل: حركة ميلي جروس (IGMG) الإسلامية التي تأسست في 1985 بألمانيا تحت شعار "رؤية جديدة" للعالم"، ويعد نجم الدين أربكان هو الأب الروحي لتلك الحركة. و"جماعة التبليغ" (TJ)، والمركز الإسلامي في هامبورج (IZH).
ولكبح موجة العنصرية بصيغة الإسلاموفوبيا في ألمانيا تنشط النخب، ومنها النخبة الأكاديمية التي طالب أحد أقطابها -وهو المؤرخ الألماني ميشائيل بورجولته- حكومة بلاده بمعاملة أكثر عدالة مع مواطنيها المسلمين، وإصدار تشريعات تسمح باعتبار الأعياد الإسلامية أعيادا رسمية للدولة الألمانية.
الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/02/05