لماذا يهجر المثقفون محاضنهم؟
محسن علي السُّهيمي
لماذا يهجر المثقفون محاضنهم؟ يعيش المثقفون حالةَ قلق دائم، ويتطلعون لحرية ذاتِ مَدى أوسع، ويترقبون المواسم الثقافية ليُفْضُوا من خلالها بوجعهم ويطلقوا مواهبهم وإبداعاتهم. المثقف كالطائر الحُر لا يقبل الحبس ولو كانت قوائم قفصه من سبائك الذهب، والثقافة بمثابة النهر الجاري الذي لا يرتهِن إلى مصد، بل يبحث عن منفذ ليصل إلى مبتغاه فيروي عطش الأكباد الظمأى والأرض اليباب، وما فاض فيدفع به نحو الشطآن.
ومع هذا فالثقافة بعمومها لدينا مؤطَّرة بأُطر يصعب معها أن تنفك عنها، ولذا سلك المثقفون دروبًا ومسالك أخرى نراها آخذة في الازدياد بالتساوق مع تزايد أعداد المثقفين أنفسهم ومع تزايد حجم القيود والعوائق التي تعترض طريق إبداعهم. من تلك الدروب والمسالك ما يسمى بالمجالس والمقاهي الثقافية، وهذه تقوم عليها ثلة من المثقفين جندت أنفسها لها لتجعل منها منبرًا حرًّا يمارِس من خلاله المثقفون بثَّ مشاعرهم والبوح بإبداعاتهم في جوٍّ من الحرية (المسؤولة). هذه المجالس والمقاهي تقع على كواهل القائمين عليها مسؤوليةُ ما يدور فيها من برامج وأنشطة، وهم أهل لذلك؛ نظرًا لما يملكونه من حس وطني.
ومن تلك الدروب والمسالك أيضًا ما يُعرف بالصالونات الأدبية التي تَجمع المثقفِين في منزل شخصية أدبية أو ثقافية، وهي تجنح للفردية؛ ذلك أن من يقوم بمسؤولياتها هو صاحب الصالون وحده. ويمكن أن يُضاف لما سبق (الملتقياتُ والمنتدياتُ الأدبيةُ والديوانياتُ). لعل حالة التزايد في أعداد المجالس والمقاهي والصالونات الأدبية وغيرها، وهجرة المثقفين إليها تلفت انتباه (وزارة الثقافة والإعلام) إلى أن هذا التزايد وهذه الهجرة لم يأتيا من فراغ وإنما نتيجةً لبعض العوائق.
لعل من أوضح تلك العوائق قضية (البيروقراطية) حالَ اعتماد أسماء الضيوف من الأدباء والمفكرين بالإضافة للبرامج والأنشطة المصاحبة، هذه القضية بُحَّت أصوات المثقفين وهم يذكِّرون وزارتهم بأن (المؤسسات الثقافية الرسمية) ذات صفات اعتبارية، وأن القائمين عليها على قدر من المسؤولية والحكمة والوعي، ولذا فإن مسألة التشديد على ضيوفها وبرامجها وأنشطتها تعد من أكبر العوائق في طريق الإبداع وإظهار المواهب، وتُعد من أوجَه الأسباب لبحث المثقفين عن منافذ أخرى أكثر مرونة.
ولذا لا نعجب حينما نجد ضيفًا (شاعرًا، مفكرًا...إلخ) لا يصل إلى منبر (المؤسسة الثقافية الرسمية) إلا بعد سلسلة من (الفلاتر) من أجل ساعة واحدة تزيد أو تنقص، في الوقت نفسه نجد الضيف ذاته وعبر الدروب والمسالك الأخرى يقضي الساعات دون المرور بأي فلتر. من العوائق الأخرى (الدعم المادي) الذي تعاني منه الجهات الرسمية، فالمال عصب الحياة ولا يمكن للثقافة أن تزدهر ما لم يكن لها رافد مادي. وحين نعلم أن مبلغ (عَشرة الملايين) ريال المقدمة مؤخرًا من الملك لم تهتدِ إلى خزانة الأندية الأدبية ندرك حينها معاناة الثقافة والمثقف.
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2016/03/09