آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
فالح الذبياني
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سعودي

إصلاح التعليم لا يتم بالأمنيات


فالح الذبياني ..

نزل مقال وزير التعليم الجديد الدكتور أحمد العيسى المنشور في صحيفة الحياة على المجتمع السعودي صاعقا، ليس لكونه سلط الضوء على مشكلة التعليم وما يعانيه من اعتلالات في بنيته ومفاصله، ولكن لكونه تناول أداء كل الوزارات الثمانية التي تعاقبت على الوزارة خلال 63 عاماً تقريباً، أي منذ نشأة التعليم في المملكة العربية السعودية، ومنذ أول وزير لها وانتهاء بالوزير الدكتور عزام الدخيل.

في مقاله المنشور أخيراً أحصيت أكثر من 100 نقطة مباشرة وغير مباشرة، تطرق لها الوزير العيسى تتعلق بهيكل التعليم وشرايينه وأوردته، وما يعانيه من مشكلات مزمنة وآنية، وما ابتلي به ممن "يهرفون بما لا يعرفون" و"يفتون في كل شاردة وواردة"، وشعرت بعد نهاية المقال أن كثيرا من مسؤولي الوزارة لم يباشروا علاج هذه الاختلالات التي أحسبهم يعرفونها حق المعرفة، وهي معلومة لكل من يهمه أمر الوطن والمواطن، فالتعليم هو حجر الزاوية في كل شؤون حياتنا اليومية الحالية والمستقبلية، فلا صحة ولا تنمية ولا اقتصاد ولا استقرار ولا أمن بدون تعليم منضبط ومؤثر، تعليم يعيش الحاضر بكل مكوناته ويستشرف المستقبل بكل غيبياته.

لمقال الوزير احتمالان إما أنه يريد أن يوضح حجم المسؤولية وكونه يعمل في وزارة ثقيلة ينتظم فيها جيش جرار من العاملين والدارسين، أو أنه يمهد لعملية تغيير شاملة في هيكل الوزارة المثقل حقيقة بالأعباء والمسؤوليات والعاملين الذين لا يعرفون بعد حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ولم يسألهم أحد عن سنوات عملهم في هذه الوزارة المهمة.

ندرك أن تعليمنا ليس الأفضل، ونتفق على أن هذا التعليم لا يتوازى مع مكانة المملكة العربية السعودية الدينية، أو السياسية، أو الاقتصادية، ونستوعب ما يعاني منه هذا التعليم من عقول صدئة، وإمكانيات متواضعة، ومبان مستأجرة، أعرف جيداً أن عددا هائلا من المعلمين تحولوا إلى "شريطية سيارات"، و"تجار بأسماء وهمية"، وبعضهم "ودع مهنة التدريس بعد أن حقق عوائد مالية من سوق الأسهم وتجارة التراب"، لكن الشيء الذي يدعو للعجب ويثير موجة من التساؤلات أن كل المسؤولين في وزارة التعليم لم تستأصل مشارطهم أمراضا متفشية، تفشت في جسد التعليم تطرق لها الوزير.

وأياً كان اتجاه المقال، وثناؤه على وزراء التعليم السابقين وفي مقدمتهم المغفور له الدكتور محمد الرشيد الذي ذكره الوزير العيسى بالاسم مرتين في مقاله فإنني أتساءل وبكل ألم:

إذا كان ما قاله الوزير حقيقة فمن يعوض أبناء الوطن الذين تخرجوا من هذه المدارس التي وصفها الوزير (بالتلقين وأن الطالب مستمع فقط)، ما ذنبهم أنهم تخلفوا عن ركب الإبداع بسبب أخطاء تراكمية لم يستطع أحد أن يناقشها أو يتابع مراحل علاجها؟

من المسؤول عن فقدان الوطن كل هؤلاء الشباب الذين تخرجوا وعقولهم فقط مبنية على التلقين، وأصبحوا الآن موظفين قليلي الإنتاجية لا يساهمون في انتعاش اقتصاد الوطن؟

أتساءل أين ديوان المراقبة العامة؟ أين وزارة التخطيط؟
أتساءل أيضا، أين ذهبت المبالغ التي أنفقتها الدولة على قطاع التعليم الذي يحتل المرتبة الأولى في سلم الإنفاق العام في ميزانية الدولة ويستولي على ربعها؟
القارئ الحصيف يجد أن كل هذه الأسئلة مشرعة ومشروعة وقانونية فور انتهائه للوهلة الأولى من قراءة مقال الوزير العيسى، وأنا على قناعة أنه لو تم سؤال بعض وليس كل مسؤولي التعليم لوجدنا أن كثيراً مما قاله الوزير العيسى قد تم علاجه أو على الأقل محاصرته بحلول وقتية وطويلة، وأنفقت عليها الدولة ملايين الريالات، فهل من المعقول أن هذا التعليم يظل ينزف بينما المسؤولون يدخلون من باب ويغادرون من باب؟

إن إصلاح التعليم لا يتم بالأمنيات، ولا بالقرارات الارتجالية، وإنما بالرؤية الواضحة والخطة المحكمة والعمل المنهجي الموثق، بحيث يتم البناء عليه عندما يغادر المسؤول كرسي المسؤولية، فواحدة من أهم معوقات التنمية في وطننا الغالي أن كل مسؤول يأتي ومعه فريق من المستشارين ليضع رؤيته، ثم ما يلبث أن يغادر ليعقبه المسؤول الثاني وفي حقيبته خطة أخرى ومعه جيش آخر من المستشارين ليبدأ من الصفر، وكأن السنوات الماضية والبناء الذي تم لا قيمة له.

سأكتفي بهذا القدر من الأسئلة التي تولدت لي من مقال الوزير، متمنياً له التوفيق والسداد والعون والتمكين، وكلنا أمل أن نرى تعليمنا الأفضل على مستوى العالم، فبلدنا بخير، وقيادتنا الرشيدة تتطلع لأن يكون تعليمنا هو الأفضل ومدارسنا هي الأحسن، وأن تكون كل مدرسة مؤسسة تعليمية رائدة وفاعلة في محيطها داخل الحي وخارجه.

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/03/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد