الاكتتاب أم الاكتئاب
محمد المعيبد ..
يتجه الاقتصاد السعودي نحو الخصخصة بخطوات حثيثة ومحسوبة لتحسين الأداء والتخلص من ضبابية القرار وبيروقراطية الأداء لضخ طاقة إنمائية جديدة بإشراك أكبر قدر ممكن من القدرات الشابة لتحريك ديناميكية التشغيل الفاعل وتشجيع رؤوس الأموال للاستثمار المحلي لتكون حافزاً ومحركا للشركات العائلية لجعلها مساهمة لتنويع القنوات الاستيعابية لتلك الأموال الراكدة وغير المستغلة وشكلت هاجسا لتشغيلها فأصبحت لدينا الفرصة سانحة لفتح كل الأبواب المغلقة لتفعيل هذه الأموال بعوائد مجزية تغري بضخ المزيد من تلك الأموال وهذا ما نلاحظه في حركتنا التنموية، فالمشهد الاقتصادي في المملكة ينم عن هذا التوجه حيث إن تعدد الحوارات عن المساهمات التي تستوعب المليارات التي بدأ الإعلان عنها وبشكل مكثف مثل طرح جزء من أرامكو وكذلك في الاستثمارات العقارية والمخططات العمرانية وتلك الكيانات الاقتصادية التي أصبحت شركات مساهمة.
وربما تكون هناك بعض التحفظات لسبر أغوار السوق العالمية نظرا لظروف تدني أسعار النفط وتذبذب أسعار الدولار تحجم الإقدام على أي مغامرة غير محسوبة بدقة، بالرغم من حرص معظم الدول على تحرير اقتصادها من غول بيروقراطية الأداء إلى الانفتاح على القطاع الخاص سواء أكانت مؤسسات فردية أو شركات عائلية في محاولة إيجاد تكتلات لكيانات كبيرة قادرة على التطوير، وكذلك تشجيع النشاطات الصغيرة على الاندماج، وتشرع قوانين وأنظمة للاسترشاد بها في تحويل الشركات العائلية إلى مساهمة؛ حرصاً على عدم انهيار تلك الشركات بعد وفاة مؤسسها.
وتقوم بتحويل شركات القطاع العام إلى القطاع الخاص بطرح أسهمها للاكتتاب لتؤول في النهاية إلى كيان مستقل ذي مجلس إدارة يديرها بنظام تجاري؛ وذلك تدعيماً للبنية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل لإتاحة الفرصة لأكبر شريحة من المجتمع المدني للمشاركة في تنمية مدخراته في دفع عجلة التطور بعد تشريع أنظمة وقوانين للحماية وسد الثغرات، ولكنني أعتقد أن النظام السائد لم يخل من ثغرات تحمي من جشع الطامعين الذين يتاجرون بقوت المساكين.
وبنظرة فاحصة لهذه الأنظمة نجد أنها حددت للشركات الراغبة في طرح أسهمها للتداول 30 % كحد أدنى للمساهمة والتداول في سوق البورصة وبسعر10 ريالات للسهم إذا لم تضاف إليه علاوة إصدار والتي تقررها لجان مختصة وهي قد تصل إلى أضعاف القيمة المقررة.
هنا استميح القارئ عذراً في الدخول إلى ما تؤول إليه عملية الاكتتاب بعد الطرح، فلو افترضنا أن رأسمال الشركة المرغوب طرح أسهمها 200 مليون ريال، أي بما يعادل 20 مليون سهم بافتراض عدم إضافة علاوة إصدار، فسيكون 6 ملايين سهم بقيمة 60 مليون ريال متاحة للاكتتاب وهي التي تمثل 30% من أسهم الشركة المطروحة وسيبقى للمؤسسين 14 مليون سهم بقيمة 140 مليون ريال.
وبعد إقفال الاكتتاب سيتم تداولها عبر الشاشة حسب الموعد المقرر لها نظاماً، وسيكون أول يوم مفتوح دون تحديد سقف الزيادة بالنسبة المقررة في النظام ليستقر سعر التثبيت فهنا يحرص المضاربون على اقتناص سعر البدايات.
فدعونا نفترض أن سعر السهم استقر في يوم التثبيت على 15 ريالا، فهذا يعني أن أسهم المؤسسين الباقية لديهم وهي 14 مليون سهم ستكون قيمتها السوقية تساوي 210 ملايين ريال بربح 10 ملايين ريال للباقي لديهم فقط غير الذي استحصلوا عليه من الاكتتاب وقدره 60 مليون ريال، فتكون الحصيلة بعد انتهاء الاكتتاب وإدراج أسهمهم في البورصة تساوي 270 مليون ريال، وتظهر نتيجة لهذا الطرح أن 70% من الأسهم أفضل من 100% قبل طرحها؛ لأنها حققت لهم 70 مليون ريال بدون مغامرات أو احتمالات وافتراضات العقود هذا من زاوية المؤسسين، أما عن المكتتبين فهم يخضعون لهوامير السوق بين الشد والجذب بطٌعم هنا ولغم هناك واحد يقذف والآخر يستقبل والضعيف بينهم يتقاذفونه حتى يصاب بالضغط والسكر والأعصاب وأصبح يردد اكتتاب أم اكتئاب؟ والإجابة سيجدها عند مستشفيات الصحة النفسية والله المستعان.
جريدة اليوم
أضيف بتاريخ :2016/03/28