لو كنت سعوديا لقلقت جداً…. وأكثر من جداً
أن يموت أو يُفقد نحو 500 حاج إيراني على أرض السعودية وسط تدهور العلاقة السعودية الإيرانية الى أدني مستواها هذه الأيام، فانا لو كنت مكان السلطات السعودية، لشعرت بالقلق. وأن تتم معالجة الأمر بتصريحات تزيد الأمر إبهاما، سأشعر أيضا بالقلق خصوصا ان مرشد الثورة السيد علي خامنئي أشعل أمس الضوء الأحمر.
لعل بين الإيرانيين أناس آخرون بأهمية السفير المفقود غضنفر ركن أبادي أو أكثر أهمية.
الكوارث تحدث في أي زمان ومكان. وكان من المفترض طبعا التروي قبل كيل الاتهامات ضد السعودية من إيران وأنصارها. هذا يذكرنا بكيل الاتهامات «السياسة» ضد سورية وحزب الله حين اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان.
هنا ننتقل من الاتهام القضائي والقانوني إلى اتهام سياسي له مغازيه وأهدافه الواضحة. لكني لو كنت مكان السعودية، للجأت إلى الحكمة في هكذا نوع من الكارثة، ودعيت مباشرة إلى تشكيل لجنة تحقيق سعودية إيرانية. وشرحت بالضبط ما حصل، وحاكمت فورا المسؤولين عن الكارثة.
لعل هذا كان خفف أولا الغضب الإيراني، وثانيا فتح المجال أمام ترطيب علاقات متدهورة، وثالثا أعطى صورة إيجابية عن العهد السعودي الجديد الذي بدأ مسيرته بكارثة الحرب على اليمن وبكوارث التدخل في سورية.
السعودية في وضع لا تحسد عليه. هي ترى بأم العين أن الغرب تقارب جدا مع إيران بعد الاتفاق. ما عاد الإيرانيون قادرين على صد هجمات المستثمرين والشركات والسياح وطالبي الصفح. وهي ترى بأم العين كيف ان أميركا والغرب الأطلسي ومعه تركيا ومصر ودول عربية وبعض فريق 14 آذار المحسوب على السعودية في لبنان، عادوا يبحثون عن طريق لفتح الأبواب علانية مع القيادة السورية برئاسة بشار الأسد، بعدما فتح الكثير منهم أبوابا في الظل وتحت الطاولات منذ فترة طويلة.
لو كنت مكان السعودية لقلقت.
العلاقات السعودية مقلقة مع معظم دول الجوار. فلا العراق مرتاح لها ضمنيا، وتعيش مع سورية وإيران أسوأ أنواع علاقاتها المزنرة بالنار والدماء حاليا، وتربطها علاقات ريبة وشكوك مع تركيا، وعلاقات حب معلن وضغينة مضمرة مع مصر، بينما الأردن سيميل كما تميل الرياح الدولية، بغض النظر عما يكسبه من أموال الخليج.
فلا جغرافيا الأردن ولا علاقته مع إسرائيل ولا أوضاعه الداخلية تسمح له بالتمرد على قرارات أميركية وأطلسية إذا ما تغيرت الرياح.
وهي تتغير.
لو كنت مكان السعودية لقلقت.
ففي أوج وهن العراق وسورية وإيران لم تستطع السعودية إسقاط الأسد «بعملية عسكرية ولا سياسية» خلافا لما يصر وزير خارجيتها عادل الجبير على القول حتى اليوم وهو يشاه بأم العين أن حلفاءه الدوليين غيروا رأيهم.
وفي الداخل السعودي. صراعات وتنافس وخلافات تحت الجمر.
لن يصدق أي مراقب حقيقي أن العلاقة بين الأمراء الحاكمين ستبقى على ما هي عليه في السنوات القليلة المقبلة، فكل منهم يرى في نفسه ملكا، وكل منهم ينسج علاقات مع أميركا والغرب الأطلسي على أنه الملك، ما أدى إلى أبعاد احد الأمراء الفاعلين الى منطقة سعودية بعيدة حين زار باراك أوباما السعودية كي يتم تخفيف دور الأمير.
ولو أضيف إلى ذلك فشل «الاستنهاض العربي» الذي نشدته السعودية من «عاصفة الحزم» حيث انتهى إلى تدمير جزء كبير من اليمن وبناء أحقاد كثيرة مكان الدمار، ووصول القتال إلى الداخل السعودي، فأن الأمر قد يصبح كارثة أكبر لو قررت السعودية فعلا احتلال صعدة والتقدم صوب صنعاء، ناهيك عن مليارات الدولارات التي تصرف الأن لحرب اليمن التي لن تصفي عرقيا الحوثيين، ولن تسمح بقيام نظام مستقر إذا لم يكن للحوثيين دور كبير فيه عرفت السعودية في عهودها المتعاقبة محطات مشرقة كثيرة، من المواقف الرائدة للملك فيصل حين قطع النفط عقابا للغرب على دعم إسرائيل، «ربما لذلك قتل» إلى أموال كثيرة دفعت للفلسطينيين، إلى مساعدة دول عربية، وعرفت فترات من حكمة القيادة خصوصا حين كانت تنسق مع سورية ومصر في قضايا العرب للجم اندفاعات الرئيس صدام حسين ودرء الحرب العراقية الإيرانية.
مشكلة السعودية الآن وتحديدا منذ انطلاقة شرارات ما سمي بالربيع العربي، أنها تعيش حالة من انعدام التوازن، فلا هي قادرة على دعم إسقاط أنظمة كانت حليفه لها وخصوصا نظام حسني مبارك ونظام زين العابدين بن علي «الذي هرب لعندها كما الرئيس الموريتاني المخلوع قبله معاوية ولد الطايع» ، لأنها تعرف أن ذلك سيؤدي إلى وصول الإخوان المسلمين إلى الخليج، ولا هي قادرة على تناسي الأحقاد السياسية ضد الرئيس الأسد وإيران وحزب الله .
ماذا تفعل الآن؟ لو كنت مكان السعودية، أسارع إلى حل الموضوع مع إيران وفتح أبواب التفاهم عبر لجنة تحقيق جدية.
فهي ستضطر للقبول بتحقيق خارجي مهما حصل.
أو أسارع إلى إيجاد مخرج إقليمي ودولي يرضي إيران دون أن تكون مصافحة بين الجانبين. وفي كل الأحوال فان السعودية التي بات الإرهاب يضربها في الداخل، وما يُعلن عنه هو جزء بسيط مما لا يُعلن، ستضطر لدفع ثمن مقتل الحجاج الإيرانيين في مكان آخر، أي في سورية.
فبعد تفجير مساجد وسقوط رافعة على مسجد آخر، تأتي قضية الحجاج الإيرانيين لتقدم لطهران إمكانية القول لاحقا: «أن المسلمين الشيعة في الخليج في خطر». هذا بحد ذاته خطير.
ففي إيران كثير من المتطرفين الذي قالوا يوما ما أن طهران باتت تسيطر على 4 مدن عربية. وكان ذلك طبعا كلاما غبيا لا معنى له لأن هذه المدن عريقة بتاريخها وحضارتها وعروبتها وليست عواصم لجمهوريات موز ولا حديقة خلفية لإيران.
أعتقد أن السعودية بعد هذه القضية الغامضة لمقتل الحجاج، والتي أظن أنها ستكشف عن مفاجآت خطيرة لو حصلت تحقيقات جدية، لن تكون قادرة على التصرف في ملفي سورية واليمن بعد هذه الكارثة الإنسانية في جبل منى، كما كانت تتصرف قبلها.
ربما البوابة السورية، تحمل شيئا من تهدئة الخواطر.
ما لم تفعل الرياض ، فانا لو كنت مكان القيادة السعودية أشعر بقلق كبير ، لا بل وكبير جدا هذه الأيام، لأن في الأمر كرامة إيرانية لا يمكن لخامنئي أن يدعها تُداس… لعل العودة إلى منطق الحكمة السعودية بدلا من العنتريات، هو الطريق الأسلم في ظل بؤر النار الكثيرة حاليا والتي فاقم فيها إعدام الشاب محمد علي النمر.
يجب أن تنتبه السعودية إلى إن حلفائها التاريخين في الأطلسي وخصوصا أميركا صاروا منزعجين من بعض أدوارها ويحملونها مسؤولية الكثير من الإرهاب، أما الدعم الفرنسي لها فيمكن أن يتوقف بمجرد توقف شراء الأسلحة.
أمام هذا المشهد، لو كنت مكان الملك سلمان، لشعرت بقلق أكبر من المعتاد.
الحمدلله أنى لست مكانه.
* المقال لصالح صحيفة البناء اللبنانية.
أضيف بتاريخ :2015/10/01