التدخل الروسي العسكري الأخير في سورية أوضح حقيقة مؤلمة؛ وهي أن الشرق الأوسط أصبح ساحة مفتوحة لمختلف أنواع العمليات العسكرية... والخشية من كلِّ ذلك أن المنطقة قد تتحوَّل إلى ساحة تجتذب المغامرات العسكرية، وهذه ظاهرة خطيرة، وكانت قد أدَّت إلى حروب مُدمِّرة وأنهكت البلدان والمناطق التي انتشرت فيها على مَرّ التاريخ.

المغامرات العسكرية محفوفة بالمخاطر؛ لأنها تنطوي على أساليب قد تتجاهل المعايير المقبولة في السياسة الدولية؛ ولأنها تتطلب اتخاذ مواقف شديدة والشروع في نشاطات عسكرية من أجل كسب ميزات سياسية.

كانت ظاهرة المغامرة العسكرية تنتشر في أماكن عديدة، وكانت، مثلاً اليابان، قد تبنّت في مطلع القرن العشرين أيديولوجية قومية لتعظيم شأن إمبراطوريتها عبر الأعمال العسكرية، وكان الصقور من قادتهم يُهيْمنون على الحياة السياسية والاجتماعية، وطرحوا بأنّ قوة الجيش تساوي قوة الأمّة. وهكذا انخرطت اليابان في حروب ضد العديد من البلدان. وعندما انهار الاقتصاد العالمي في 1929، تفاعلت تلك الأيديولوجية مع المخاطر الاقتصادية، ونتج عن ذلك نهج ساهم في تأجيج الوضع الدولي وتسبب في مآسي كثيرة أثناء الحرب العالمية الثانية.

وفي التسعينات من القرن الماضي، كان الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان قد حذر من المغامرات العسكرية التي حوَّلت أفريقيا إلى ساحة من الصراع الدائم، لأنّ الحكومات هناك اعتمدت على الوسائل العسكرية لحل مشاكلها؛ مما كان يعني إرسال القوات عبر الحدود، متجاهلين سيادة الدول التي يقوم عليها ميثاق الأمم المتحدة. كلُّ ذلك حوَّل بلداناً أفريقية إلى واحات من البؤس والشقاء والتشتت والهجرات التي لا تنقطع، سواء كان ذلك في سيراليون أو الكونغو أو أنغولا أو غيرها من البلدان التي مزّقتها المغامرات والحروب والأزمات. وكما أكد عنان حينذاك، فإنّ جهود الأمم المتحدة لإيجاد تسويات سياسية لنزاعات أفريقيا لم تنجح لأنّ الأطراف المعنية كانت تُفضِّل الحلول العسكرية.

وفي السنوات الأخيرة تعوّدنا أن تتوجّه الأنظار إلى كوريا الشمالية، والتي تتبنّى قيادتها رسمياً المغامرات العسكرية، عبر إطلاق صواريخ، بعضها يعبر اليابان، وعبر إعلان حالات التأهب للانقضاض على الكوريين الجنوبيين أو حتى على الأمريكان.
أمّا الآن فنشاهد انتشار هذه الظاهرة الخطيرة وبصورة متصاعدة في منطقتنا التي تلتهب من كلِّ جانب، والمخاطر في كلِّ ذلك قد تصل إلى ما شهده العالم من مآسي كبيرة على مَرّ الزمان.

الكاتب: د منصور الجمري

صحيفة الوسط البحرينية.