خطوات ملك البحرين العشر للقاء أوباما
حسين يوسف ..
تطوّرت الأحداث في البحرين في العام 2011 وارتبطت الانتهاكات بشخص الملك الذي وجد جناح الخوالد في مظلته غطاءً واسعاً لمد نفوذه متبعاً سياسة الأرض المحروقة. جنّ جنون السلطة على وقع دعوات المتظاهرين المندفعين بدعوات التغيير على وقع ما عرف بـ «الربيع العربي»، دمّرت الحياة السياسية تماماً، وانطلقت ماكارثية السلطة. دعا البيت الأبيض الملك لإطلاق مشروع حوار سياسي. ادعى الملك قيامه بذلك. عاد أوباما بخطاب مباشر، وعلى مرأى ومسمع من الملك دعاه من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة للحوار مع المعارضة، وسمّى له بالتحديد «جمعية الوفاق». منذ العام 2011 والإدارة الأميركية ترفض طلبات الملك المتكرّرة للقاء يجمعه مع أوباما.
تغيّرت الخريطة السياسية في المنطقة. علت قعقعة السلاح، ونزفت الجراح من ليبيا إلى سوريا واليمن. في الخليج، تحول أفق الصراع بين الدول الغربية بقيادة الأميركي والناهض الإيراني إلى مفاوضات واتفاق نووي. تبلور محور جديد داخل دول «مجلس التعاون» تقود فيه السعودية الإمارات والبحرين إلى خيارات يقينية كرأس حربة منطلقة إلى المجهول، محتفظة بحلفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة.
تقترب ولاية أوباما الثانية من نهايتها في كانون الأول هذا العام، فيُطلق تصريحات المصارحة مع قادات الخليج في غير خطاب، أن لا تهديد خارجي يتهدّدكم، وأن الخلل في علاقتكم بشعوبكم، أن الخطر في الداخل.. لو تفقهون.
ما فقهه ملك البحرين هو الاستفادة من بروباغندا الأزمات الاقتصادية في الخليج وحديث انخفاض أسعار النفط، لتصحيح ما اعتبره خطيئة مشروع الإصلاح الذي أعلن عنه في العام 2001.
آنذاك ترافقت فكرة الانفراج السياسي وإطلاق ميثاق العمل الوطني الذي يعزوه مراقبون إلى حاجة الملك القادم للحكم حديثاً آنذاك إلى إحداث توازن جديد داخل عائلة آل خليفة الحاكمة، على حساب عمه رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، والذي يُعَدّ الحاكم الفعلي للبلاد طيله حكم والده. في الشكل حوّل الملك البحرين من إمارة إلى مملكة، ووضع دستوراً في العام 2002 يتضمّن إقامة مجلس وطني نصف منتخَب بصلاحيات محدودة، ليس من بينها التشريع المباشر. كان عماد مشروع الملك أن يحبه الناس، فيتمكّن من خلالهم، فأطلق برامج مساعدات اقتصادية على هيئة هبات ومكرمات ومشاريع ترميم وإعفاءات متكررة من القروض، كانت آخرها هبة بمقدار ثلاثة آلاف دولار لكل عائلة بحرينية حدّدت في العام 2011، مع بدء تفاعل الناس مع فكرة تحديد 14 شباط موعداً لانطلاق الاحتجاجات.
جاء انخفاض أسعار النفط كفرصة سانحة لإطلاق بروباغندا تمسح آثار كل ما بدأ في العام 2001، برغم أن إنتاج البحرين من النفط لا يزيد عن 33 ألف برميل يومياً، بينما تقوم بتكرير أكثر 267 ألف برميل في اليوم من النفط الخام. ويأتي نحو سدس هذا النفط الخام من حقل البحرين، فيما يتم ضخ الباقي من المملكة العربية السعودية. عائد البحرين من التكرير ارتفع نسبة لارتفاع عوائد التكرير، بما يضمن تأمين نفقات الحكومة على الرواتب، فيما تعهّدت دول الخليج بمشروع مارشال قوامه 10 مليارات دولار لتمويل المشاريع.
في المقابل، أعلن الملك عن مشروع تقشف سحب بموجبه الدعم عن عدد من السلع الأساسية مثل اللحوم والبنزين، وتوقفت بصورة غير معلنة مشاريع مساعدات كثيرة مثل مشروع ترميم البيوت الآيلة للسقوط.
بهذا الأسلوب، أقفل الملك حلقة مبرراته ليراجع منطلقاته تجاه فكرة الإصلاح السياسي. وهي مراجعة مبنية على تمكنه من بسطه بمساندة جناح الخوالد سيطرتهم المطلقة على معظم مواقع النفوذ في المملكة الجديدة، بحيث انتفت بحسب قراءته للموازين الجديدة، أي حاجة للإسناد والاحتضان الشعبي، خاصة ان تقديرات المعارضة تقول أن الملك أطلق مشروع تجنيس خلال العشر سنوات الماضية، على أسس سياسية، اشترى وفقه ولاء عشرات الآلاف من جنسيات مختلفة، مقابل منحهم الجنسية وامتيازات خاصة بالسكن والعمل، الذي تحملت الأجهزة الأمنية مسؤولية استيعابه وتثميره.
يقبل الملك المدعوم بشكل مطلق من المملكة السعودية على محاولة جديدة للقاء أوباما تشهدها الرياض، تم التحضير لها خلال زيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري للمنامة ضمن اجتماعات تحضير وزراء خارجية «التعاون»، التي ناقشت مخرجات اجتماع كامب ديفيد الذي غاب عنه الملك وحضر بالنيابة عنه ولي عهده.
بدا واضحاً خلال زيارة كيري للمنامة حرجه المطلق من الحديث علانية عن وضع حقوق الإنسان في البحرين، الذي انتقده بصورة لاذعة المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين خلال كلماته في الدورة الحادية والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف في آذار الماضي. بخلاف ذلك، تبنت الخارجية الأميركية على لسان كيري وللمرة الأولى الموقف البريطاني، وانتقدت موقف المعارضة من مقاطعة الانتخابات في العام 2014. وبرغم أن كيري والمعارضة، من خلال اجتماعاتهم المغلقة، متفقون على ضرورة انطلاق عملية سياسية تسبق مشاركة المعارضة في أي انتخابات مقبلة، إلا أن كيري والسلطة في البحرين متفقان أيضاً على توفير غلبة ثابتة للسلطة، التي قرّرت الإدارة الأميركية رفعاً جزئياً للحظر المفروض على صادراتها من الأسلحة لقوة دفاع البحرين، مقابل إبقائه قائماً على وزارة الداخلية بسبب سوء الاستخدام.
عاد كيري إلى بلاده، وتستعدّ الرياض لاستقبال القمة الخليجية - الأميركية. أعلنت السلطة أن متظاهرين غاضبين أضرموا النار في مركبة تابعة لوزارة الداخلية، ما أدى لمقتل العنصر الباكستاني الأصل محمد تنوير. وهي الحادثة التي دعت وزارة الداخلية على لسان وزيرها المقرّب من الملك راشد آل خليفة للتهديد برفع السلاح بهدف القتل في وجه المتظاهرين، وهو إعلان قابله بيان صادر عن قوة دفاع البحرين (الجيش)، يعلن فيه استعداده للتدخل المباشر في التصدي لمن سمّاهم «رؤوس الفتنة».
كان هذا البيان جسر العبور الذي استقله الملك الذي لم يعُد يتنقل على البر، فهبط بمروحيته وبزته العسكرية في مقر القيادة العامة لقوة دفاع البحرين ليدعم موقف الجيش وإسناد الحرس الوطني والحرس الملكي التي يقود كلاً منها فرد من الأسرة الحاكمة. كانت هذه آخر مهمة عمل داخلية للملك قبل أن يعلن مغادرته إلى الرياض.
وبرغم إلقاء وزارة الداخلية القبض على عدد من الشبان في مقتبل العمر بتهمة استخدام المولوتوف وحادثة مقتل تنوير، فقد قامت وزارة الداخلية باستدعاء القياديين في جمعية «الوفاق» المعارضة، النائبين السابقين خليل المرزوق وعبدالجليل خليل، وإبلاغهم بلغة التهديد رفض وزارة الداخلية بيان الجمعية الذي زاوج بين إدانة العنف والدعوة لفتح المجال أمام الحوار والعملية السياسية لحل الأزمة في البحرين.
ترافق ذلك مع بيان أصدرته وزارة العدل اعتبرت فيه إدانة ثلاث من الجمعيات السياسية المعارضة للعنف وحادثة منظور غير كافٍ، وطالبتهم بوصف الحادث بالإرهابي.
اختار ملك البحرين هذه الصورة للحضور إلى الرياض: التموضع في قلب جناح المتشدّدين، والاستمرار في حبس زعيم جمعية «الوفاق» المعارضة التي دعاه سيد البيت الأبيض لحوارها. إلى الرياض ذهب، مكتفياً بخطاب القوة من مهمة عمله الداخلية الأخيرة في «قوة الدفاع» من دون أن يصدر مرسوماً بتعيين ولي عهده المقرّب من واشنطن نائباً له في غيابه، كما يفترض البروتوكول. وفي الرياض، يقتنص الملك صورة اللقاء مع أوباما.
صحيفة السفير اللبنانية
أضيف بتاريخ :2016/04/21