ثقافتنا في 2030
سعود البلوي ..
إن لم يدخل المستثمرون ورجال الأعمال السعوديون بقوة وشجاعة في الاستثمار بالمجال الثقافي بطرق غير تقليدية، فمعنى ذلك أنهم يتركون الفرصة للمستثمر الأجنبي الذي سوف يبتلع الكعكة
يعرّف إدوارد تايلور الثقافة بأنها: "ذلك المركب الذي يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والأعراف والقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع"، ونظرا لأهمية الثقافة بالنسبة للأمم والشعوب فإن كل تطور اقتصادي لا بد أن يصاحبه تطور في ثقافة المجتمع، إلا أن وثيقة الرؤية اعترفت بكل شفافية بأن الفرص الثقافية الحالية متدنية "لا ترقى" إلى تطلعات المواطنين والمقيمين، و"لا تتواءم" مع الوضع الاقتصادي المزدهر للمملكة، وبالتالي لا يمكن تحقيق التحول الاقتصادي دون تحقيق التحول الثقافي والاجتماعي، ولذلك ارتكزت الرؤية على ثلاثة محاور رئيسة هي: "مجتمع حيوي"، و"اقتصاد مزهر"، و"وطن طموح"، وبررت دعم التحول الثقافي باعتبار الثقافة أحد مقومات "جودة الحياة" في العصر الحديث.
وعلى هذا الأساس ربما تشهد السنوات القليلة القادمة ثلاثة مظاهر مهمة تتعلق بمجالات الثقافة والسياحة والترفيه وهي: بروز دور مؤسسات المجتمع المدني وانحسار دور المؤسسات الحكومية، وظهور أنماط متعددة من الشراكة العالمية، وبروز دور القطاع الخاص في الاستثمار بمجال الثقافة والسياحة والترفيه، وذلك عبر إتاحة الفرص لدعم القطاعات الثلاثة، القطاع الحكومي، والقطاع الخاص، والقطاع الثالث (المجتمع المدني).
وبما أن الحياة الملائمة مرتبطة بوجود "الخيارات" المناسبة، وتعدد الخيارات في مجال الثقافة والترفيه هو الوجه الآخر للتعددية والثراء الثقافي والاقتصادي، والمجتمع السعودي -باعتباره ينمو بشكل مطرد وسريع- فإن أفراده باتوا يتطلعون إلى وجود خيارات جديدة ومتعددة، في بيئة اجتماعية خصبة للتطور الثقافي تسهم في تحقيق صناعة الثقافة وإنتاجها وإعادة إنتاجها بما يناسب المرحلة العالمية الحالية.
وبالتالي خلق العوائد الاقتصادية وفرص العمل من خلال الاستثمار الثقافي، ولذلك التزمت رؤية المملكة 2030 بدعم الثقافة من خلال عدة بنود، تقوم على إنشاء ودعم وتطوير المراكز والأنشطة، المهرجانات والفعاليات، وتشجيع المستثمرين من الداخل والخارج على ذلك، وعقد الشراكات العالمية، ودعم الموهوبين والمبدعين، ودعم إيجاد "خيارات" ثقافية متنوعة تناسب جميع الفئات والأذواق، وتطوير الأنظمة واللوائح بما يساعد على التوسع في إنشاء أندية الهواة والأندية الثقافية والاجتماعية وتسجيلها رسميا، وإطلاق البرنامج الوطني "داعم" الذي سيعمل على تحسين جودة الأنشطة الثقافية ويوفر الدعم المالي لها، حيث سيكون لدينا بعد أربع سنوات فقط أكثر من 450 ناديا للهواة مسجلة رسميا لتقديم أنشطة وفعاليات ثقافية وترفيهية متنوعة، كما ستتم زيادة إنفاق الأسر على الثقافة والترفيه داخل المملكة من (2.9%) إلى (6%) بحلول عام 2030.
وعلى ضوء ما ورد في الرؤية أعلاه، أستطيع القول إننا مقبلون على تحول اقتصادي كبير سوف يواكبه تحول ثقافي واجتماعي كبير أيضا، تشترك فيه كل فئات المجتمع بما لديها من إمكانات، وبناء على ذلك فإن ضرورة المرحلة تحتم قيام شراكات ثقافية عالية الجودة بين المستثمرين السعوديين والمهتمين بالمجال الثقافي العام في المناطق والمحافظات، ولا بد من إعداد الخطط والإستراتيجيات في هذا الاتجاه منذ الآن، لضمان استثمار ثقافتنا ذاتيا وانتقالها في الوقت ذاته من حالة السكون والثبات إلى حالة التفاعل والحركة.
غير أن الأمر المهم في الانفتاح الذي سوف تشهده الثقافة في المرحلة المقبلة أنها تمثل تحديا كبيرا للقطاع الخاص، فإن لم يدخل المستثمرون ورجال الأعمال السعوديون بقوة وشجاعة في الاستثمار بالمجال الثقافي بطرق غير تقليدية، فمعنى ذلك أنهم يتركون الفرصة للمستثمر الأجنبي الذي سوف يبتلع الكعكة!
كما أن المؤسسات الثقافية الحكومية الحالية (الأندية الأدبية، وجمعيات الثقافة والفنون) لا بد أن تواكب هذا التطور لا أن تكون على حالها التي هي عليه الآن، وذلك لسببين: الأول أن العمل الثقافي التطوعي سوف يسحب البساط من تحتها بعد إنشاء أندية الهواة والأندية الثقافية والاجتماعية، وسوف تضغط مؤسسات المجتمع المدني في هذا الاتجاه بالتوسع في العمل الثقافي، أما السبب الثاني فهو بيروقراطية المؤسسات القائمة حاليا، والتي سوف تؤدي بها إلى العجز عن المواكبة والمنافسة في تقديم العمل الثقافي الفعال، نظرا لما تكرسه من مبدأ الثقافة الريعية، ورغم الاحترام الشديد للدعم والجهود التي بذلت في هذه المؤسسات على مدى العقود الماضية، إلا أنها تحتاج إلى فكر إستراتيجي جديد، لأنها إن لم "تتحول" وتواكب المرحلة والرؤية 2030 فسوف تكون خارج التاريخ!
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/05/07