محاربة (التطرف) بـ (التطرف)
أول عملية إرهابية وقعت في السعودية وكان وراءها متطرفون دينيا يتبعون تنظيمات متطرفة خارجية هي تفجير مركز التدريب للحرس الوطني في العليا في سنة 1995م، أي قبل عشرين سنة، والمفارقة أن الإرهابيين الذين يقومون بعمليات إرهابية اليوم هم غالبا ولدوا تلك السنة أو بعدها أو قبلها بسنة أو اثنتين أو ثلاث، ما مغزى هذه المقارنة؟مغزاها أننا نجحنا في محاربة الإرهاب أمنيا؛ إذ لم يستطع الإرهابيون على مدى عشرين سنة تحويل عملياتهم إلى ظاهرة تنشر الفوضى في المجتمع، واقتصرت على محاولات بائسة، لكننا في الوقت نفسه فشلنا في القضاء على البيئة التي تساعد على التطرف الذي يولد الإرهاب بدليل أننا حتى الآن لم ننجح في تجفيف منابع التطرف، وما زال شبابنا يقعون فيه بين الفينة والأخرى حتى وصل التأثير إلى قرية نائية كما حصل في العملية الإرهابية التي نفذت بقرية سبطر في منطقة حائل.
وعلى امتداد تلك السنوات العشرين ما زالت النخب الفكرية تبدي وتعيد في توصيف أسباب التطرف، وما زالت تتقاذف التهم فيما بينها عن أسبابه، فكل تيار يحاول أن يلقي باللائمة على التيار الآخر، فجمهرة من الإسلاميين يرون أن من أهم أسباب التطرف والإرهاب التغريب ومحاربة التدين في وسائل الإعلام مما يدفع الشباب المتدينين المتحمسين إلى تصور أن الإسلام محارب من لدن قوى محلية وعالمية يجب التصدي لها، والتضحية بأنفسهم من أجل إيقاف هذه القوى والقضاء على تلك المؤامرات.
وفي المقابل جمهرة من الليبراليين يرون أن من أهم أسباب التطرف تكثيف التثقيف الديني، واختصار الثقافة والفكر به فقط، وتجفيف كل المنابع التي تغذي في الفرد إنسانيته من فنون ومسرح وسينما، ووجود مقولات وأفكار دينية تدعو لرفض الآخر في مناهجنا الدراسية، وفي الكتب التي تدرس في الأقسام الدينية في الجامعات والمساجد نتج عنها رفض التسامح مع الأديان والمذاهب المخالفة لما هو سائد في مجتمعنا، وهذا الرفض ولد التكفير الذي أدى إلى الإرهاب.
ومحصل هذا الخلاف أن كل تيار يحاول توظيف الحدث لما يؤمن به أكثر من محاولة معالجته، ولا باس بهذا كله، فمن حق المثقف مهما كان توجهه الفكري أن يدلي بدلوه في ما يراه سببا في وجود التطرف، ويطرح رؤيته لكيفية القضاء عليه، لكن المفارقة أن كلا التيارين يغذي ـ من حيث لا يشعر ـ التطرف، وذلك بطرح مقولاته في توصيف سبب التطرف على أنها مطلقة قطعية لا شك فيها، ويشن هجوما شرسا على التيار الآخر، وينعته بكل صفات التخوين، فكل من لا يؤمن بتوصيفه لأسباب التطرف فهو متطرف في اليمين أو في اليسار حسب الرؤية الفكرية لصاحب التوصيف، أي أنه يمارس التطرف في محاربة التطرف، فكأننا في حفلة زار الكل متطرف في نظر الكل.
ولهذا لا عجب أن نجد مثقفا متطرفا في اليمين ثم إذا تحول عن اليمين نجده هو نفسه متطرفا في اليسار؛ كما هو مشاهد لدى ثلة كبيرة من الشباب في (تويتر) كانوا متدينين همهم ملاحقة أصحاب المذاهب الأخرى وتكفيرهم، وديدنهم تخوين كل الليبراليين ووصفهم بأنهم مرتادو سفارات، ثم تحولوا من التدين المتطرف، وصاروا في أقصى اليسار ملاحدة يسخرون من كل شعائر الدين، ويهاجمون بكل صراحة وجرأة أقدس مقدسات المسلمين بإطلاق أقذع الأوصاف على الله جل وعلا وعلى القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم، ويصدق عليهم قول الفقهاء: «غسل النجاسة بالدم».
ولتكون على بينة من هذا التطرف المأزوم في كل أطيافنا الفكرية جرب أن تكتب في (تويتر) فكرة مؤيدة لأي تيار لتجد الكم الهائل من التعليقات من لدن أنصار التيار الآخر تتهمك بأقذع الصفات، وتهاجمك بأرخص الأساليب، ولا عجب في هذا فالمناخ الفكري لدينا كله متطرف مأزوم ممن يخالفه في أي فكرة.
وفي وسط هذه اللجة المأزومة لا تنتظر من الشباب سواء في اليمين أو اليسار أن يكونوا معتدلين في رؤيتهم وفكرهم وهم يتلقون صباح مساء خطابا متطرفا مأزوما يحرض على الآخر، ويدعو لمحاربته واجتثاثه، وقديما قال الشاعر: «إذا كان رب البيت بالدف ضاربا ...فشيمة أهل البيت كلهم الرقص»، وقبل أن نطالب الشباب بالاعتدال وترك التطرف تعالوا بنا نناشد نخبنا الفكرية على اختلاف توجهاتها بالاعتدال وعدم التطرف.
سليمان الضحيان
صحيفة مكة.
أضيف بتاريخ :2015/10/08