لماذا كل هذا التسول في رمضان؟
فاضل العماني ..
يبدو أن الكتابة عن شهر رمضان، مثيرة حد الإغراء وشهية حد الامتلاء، بل وتستحق التكرار والاستمرار والتكثيف، فقد أصبح هذا الشهر الفضيل "الموسم المنتظر" والذروة القصوى لكافة الصعد والمستويات والمجالات. لقد تحول رمضان، من شهر للعبادة والتقوى والصوم ومساحة للبهجة والمتعة والسعادة وفسحة لممارسة العادات والتقاليد الجميلة، إلى بازار كبير جداً تُعرض فيه كل البضائع الفنية والإعلامية والتجارية، الجيدة والرديئة على حد سواء. لقد أفرغ هذا الشهر الفضيل من كل ما كان يحويه من قيم ومضامين وعادات وتفاصيل جميلة، ليتحول إلى مجرد جدول من ثلاثين حلقة مُعدّ بذكاء ومهارة للحصول على أرباح خيالية وأرقام قياسية.
كثيرة هي المظاهر الرمضانية التي تُثير الدهشة والحيرة والقلق، والتي تستحق الكتابة والتحذير والتنبيه، ومنها ظاهرة التسول التي أصبحت بكل أسف واحدة من أسوأ المظاهر الرمضانية التي شوهت الصورة الجميلة لهذا الشهر الكريم الذي بدأ يفقد الكثير من وهجه وألقه وسحره.
وظاهرة التسول، سواء كانت في رمضان أو في غيره من الشهور، قضية حساسة تستحق الدراسة والبحث والعلاج، لأنها تُشكل خطراً كبيراً يتهدد سلامة ومكانة المجتمع.
وأنا هنا لست بصدد الكتابة عن هذه الظاهرة المنتشرة في كل دول العالم الفقيرة والغنية، ولا عن أسبابها الحقيقية والزائفة، ولا عن الأساليب المتنوعة التي يُمارسها المتسولون والمتسولات خاصة عند إشارات المرور أو عند الأرصفة والشوارع أو عند بوابات المحلات التجارية، ولا عن طرق وأدوات وآليات علاج هذه الظاهرة السيئة. أنا لن أكتب عن كل ذلك، رغم أهمية ذلك، وهو على كل حال قد أشبع كتابة وجدلاً ونقاشاً وتنظيراً، هذا غير الإجراءات والجهود والمبادرات التي قامت بها الكثير من الجهات والدوائر المعنية لمكافحة هذه الظاهرة المخجلة التي أصبحت تنتشر وتتمدد وتستقر في كل تفاصيل حياتنا.
ما أود الإشارة إليه فقط، هو تداعيات هذه الظاهرة السيئة التي تحولت إلى ما يُشبه الكابوس على صورة الوطن، خاصة في هذه المرحلة المهمة من مسيرتنا الوطنية التي تمر بمنعطف مهم يتمثل بحزمة كبيرة وكثيرة من التحولات والتطورات والإصلاحات وفق رؤية طموحة ستنقلنا بإذن الله إلى عالم الدول المتقدمة، هذا العالم الذي نستحق عضويته منذ عقود بما نملك من ثروات وقدرات وطاقات بشرية ومادية.
التسول، ظاهرة مخجلة تُمارس التشويه لصورتنا في الداخل والخارج، تشويهاً اجتماعياً وحضارياً وإنسانياً، ومهما تعالت ناطحات السحاب في مدننا، ومهما كانت شوارعنا وجسورنا وأنفاقنا عصرية وأنيقة، ومهما كانت مدارسنا وجامعاتنا حديثة وقوية، ومهما كانت حدائقنا ومتنزهاتنا وملاعبنا نظيفة وجميلة، ومهما كانت كل تفاصيلنا رائعة، فإنها لن تستطيع أن ترسم صورة جميلة لوطننا مادامت هذه الظاهرة السيئة تطل برأسها من كل زاوية وناحية.
قبل يومين، شاهدت صورة مؤلمة حد الوجع عند إحدى إشارات المرور، وأظنها صورة طبق الأصل في كل شوارعنا. امرأة تتسول في وقت الظهيرة المحرقة، تحمل طفلاً رضيعاً لا يتجاوز العشرة شهور.
التسول، ظاهرة مخجلة شوهت شوارعنا ومدننا، وقبل ذلك أرواحنا، فهل هناك رغبة وقدرة على مكافحتها؟
جريدة الرياض
أضيف بتاريخ :2016/06/19