تطور المرور وتخلفه.. مسألة حياة وموت!
عماد العباد ..
قبل عدة أشهر انتقد مدير الأمن العام الفريق عثمان المحرج، المرور بقوله: "الكل تطور إلا أنتم". جاء ذلك بعد أن وصلت الفوضى المرورية إلى حد لا يعقل. ومن يسكن الرياض يعلم يقيناً أن انتقاد الفريق المحرج كان لطيفاً مقارنة بما يحدث في شوارع العاصمة. فالانتقاد الصحيح للمرور ليس أنه لم يتطور فحسب بل إنه تخلف بشكل كبير.
وفي الوقت الذي تنهض فيه الرياض بمبانيها وشوارعها وتعيش ثورة كبيرة تتمثل في مخاض مشروع النقل العام بقطاراته وحافلاته، نجد المرور تقاعس كثيرا في القيام بأبسط أدواره وهو ضبط الحركة المرورية وتطبيق النظام بصرامة في حق المخالفين.
أهالي العاصمة يعيشون ضغطا نفسيا هائلا في التنقل لقضاء مشاويرهم اليومية، إذ لا يكفي أن عليهم تحمل التحويلات والدهاليز والمتاهات المرورية التي تسببت بها أعمال الإنشاءات لقطار الرياض وحسب؛ بل عليهم أن يتحملوا رعونة ووقاحة كثير من قائدي السيارات الذين تمادوا في كسر القوانين لأنهم لم يجدوا من يردعهم إلى الحد الذي جعل كثيرا منهم يرتكبون مخالفات كبيرة كقطع الإشارة وعكس طرق رئيسية دون أدنى خوف من المحاسبة.
المخيف أن الغياب الطويل لرجل المرور في الميدان خلق ثقافة جديدة تتمثل في استمراء الخطأ إلى أن يتأصل لدى قائدي السيارات ويصبح هو الطبيعي، بل ويتجاوز ذلك إلى الحد الذي يسأم فيه الشخص الملتزم بقواعد المرور ويضرب بها عرض الحائط ويقوم بقيادة سيارته بذات الهمجية التي يتعامل بها من حوله.
أحد هذه الممارسات المستفزة التي أصبحت مشهدا يوميا طبيعيا في شوارعنا هي ظاهرة "التحاشر" عند الإشارات المرورية والمخارج ومسارات العودة الـ "يو تيرن"، وهي باختصار تخطي صفوف السيارات وحشر مقدمة السيارة في الأمام لتفادي انتظار طابور السيارات التي تقف بشكل قانوني ولتكون النتيجة فوضى تجعل من التزم بالنظام يندم على مثاليته.
هذه المخالفة من الممكن السيطرة عليها بسهولة لو كان قطاع المرور لدينا يعي حجم المشكلة، إذ يكفي أن يقف رجل أمن عند الإشارة ويحرر مخالفة لكل سائق لا يلتزم بمساره. أو أن توضع قواطع خرسانية صغيرة على طول المسار المجاور للإشارة أو لأي مسار يعاني من اختناق بسبب متخطي الصفوف.
المثال الآخر الذي تناقلته وسائل إعلام أجنبية كخبر غريب وطريف(!)، يتمثل في تراجع السيارات التي تقف أمام المطاعم والمحلات المزدحمة قرابة العشرة أمتار لتتحاشى وقوف سيارات خلفها ومع ذلك تتكدس خلفها عشرات السيارات في مشهد فوضوي مخجل يتسبب في إقفال أغلب مسارات الشارع الذي يقع عليه المطعم.
ورغم أن البعض يضع اللوم على ثقافتنا الفوضوية وأننا شعب غير متحضر إلا أن الملام في المقام الأول هو المرور، إذ أن التهاون في تطبيق القانون يحرض الناس على انتهاكه بل وفرض قانونهم الشخصي الذي يجعل الحق للأقوى والأوقح وهو ما يحدث حالياً في شوارعنا وسيحدث ما هو أسوأ إذا لم يتم إنقاذنا من هذه الثقافة المرعبة.
تطور المرور وتخلفه هو مسألة حياة وموت، فهذا القطاع مسؤول بشكل مباشر عن العدد المفجع للوفيات والإعاقات التي نتصدر بها الإحصائيات ولا فخر-إذ يموت في طرقات المملكة شخص كل أربعين دقيقة كما يشغل مصابو الحوادث المرورية 30% من أسرّة المستشفيات. ناهيك عن تضاعف أسعار التأمين بسبب الكمية الهائلة من الحوادث والتلفيات المادية.
المرور أثبت عجزه عن الحل، ورغم الانتقادات المتتابعة والمستمرة على مدى سنوات لهذا القطاع، لم نلمس أي تغير، بل ازداد الوضع سوءًا ما يعني أن لديه مشكلة إدارية كبيرة وحل هذه المشكلة يكمن في إسناد رصد المخالفات لشركة وطنية متخصصة ومحترفة موظفوها سعوديون وريعها للدولة كما يجب رفع قيمة المخالفات وتغليظها الى الحد الذي يردع المخالفين. إجراء مثل هذا هو الذي سيعيد النظام إلى شوارعنا كما سيوفر آلاف الوظائف لمواطنين سعوديين يدفع رواتبهم الخارجون عن القانون!
جريدة الرياض
أضيف بتاريخ :2016/06/27