#تقرير_خاص : لماذا لا تتعجل "أوبك" لضخ المزيد من النفط؟
محمد الفرج...
تسببت جائحة "كوفيد-19" في قلب الاقتصاد العالمي رأسا على عقب، ولم تشهد أي صناعة انهيارا وشيكا ثم انتعاشا مذهلا في غضون 20 شهرا مثل ذلك الذي شهده قطاع النفط. ونظرا لانخفاض أسعاره منذ عام 2014، تلاشت مكاسب صناعته تقريبا بين عشية وضحاها في أبريل/نيسان 2020 عندما انهار الطلب والأسعار نتيجة إغلاق دول بأكملها للسيطرة على انتشار الوباء.
وللمرة الأولى في التاريخ، انخفض سعر خام تكساس، المعيار الرئيسي للنفط الخام في أمريكا الشمالية، بنحو 300%، وتم تداوله بسعر سالب 37.63 دولارا للبرميل في أبريل/نيسان 2020. بعبارة أخرى، دفع المنتجون أموالا للمشترين لأخذ نفطهم الخام لأنه لم يكن لديهم مكان لتخزينه.
ودمر الانخفاض السريع في أسعار النفط اقتصادات الدول النفطية في الخليج العربي. وعانت هذه الدول من الضربة المزدوجة المتمثلة في عجز الميزانية والفيروس الذي لم يكن أحد قادرا على تحمل تبعاته في ذلك الوقت. وكان اللجوء إلى مزيد من الاقتراض لتعويض العجز العام يشير إلى إجراءات تقشف اقتصادي حتمية، والتي من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من قمع النمو الاقتصادي في دول الخليج.
وفي عام 2020، خططت السعودية لخفض إنفاقها العام بأكثر من 7% في عام 2021، في ظل كفاحها لاحتواء العجز النتفاقم، وقفزت ديون البحرين إلى 133% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، بينما كانت هذه النسبة 102% قبل عام. وخلال الأشهر الـ 20 الماضية، وصل عجز الميزانية الكويتية إلى أعلى مستوى في تاريخ البلاد. وبالمثل، تدهورت مشكلة ديون عُمان من سيئ إلى أسوأ.
وبحلول الربع الثالث من عام 2021، تراجع الشعور باليأس بشأن ضعف الطلب على النفط وأزمة الديون في جميع أنحاء الخليج؛ حيث بدأت الأسعار في التعافي. وبفضل التوزيع المتزايد للقاحات، تم تخفيف القيود التي فرضها الوباء.
وبدأ الطلب العالمي على النفط في الارتفاع مرة أخرى، وبدأ التصنيع ينشط ببطء، وتم استئناف السفر الجوي بالرغم من تقلصه نسبيا بعد ظهور المتحور "أوميكرون" في نوفمبر/تشرين الثاني، وعادت قيادة السيارات والاختناقات المرورية، وسجل الغاز في الولايات المتحدة أعلى الأسعار منذ عام 2014.
ولم يواكب إنتاج النفط الطلب المتزايد، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار، حيث وصل سعر خام برنت إلى 83.54 دولارا للبرميل في أكتوبر/تشرين الأول 2021. وهناك مخاوف الآن من أن سعر البرميل قد يرتفع أكثر إذا ظلت الفجوة بين الإنتاج والطلب.
لماذا لا تتعجل "أوبك" لضخ المزيد
ونظرا لانخفاض مخزون النفط وارتفاع الأسعار، يجني المنتجون أموالا بشكل لم يسبق له مثيل منذ عام 2014. وتشعر منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" بالتفاؤل الآن بشأن الإيرادات الجيدة لدرجة أنها ترفض زيادة الإنتاج بالرغم من النمو الهائل في الطلب، ويضم أعضاء "أوبك" الـ 14 الجزائر وأنجولا وغينيا الاستوائية والجابون وإيران والعراق والكويت وليبيا ونيجيريا وجمهورية الكونغو والسعودية والإمارات وفنزويلا.
وتتوقع السعودية والإمارات، أكبر منتجي النفط في المنظمة، فائضا في الميزانية مع استمرار تحسن الأسعار، كما أن العراق، الذي عانى من أزمة اقتصادية حادة بسبب انخفاض الأسعار وعدم الاستقرار الاجتماعي والاضطرابات السياسية لأعوام، يتمتع أيضا بفائض في الميزانية هذا العام. ورفضت "أوبك" ضخ المزيد من النفط حتى بعد أن وجه الرئيس الأمريكي "جو بايدن" نداء شخصيا للمنظمة لزيادة إنتاجها في نوفمبر/تشرين الثاني.
أولا: تقول "أوبك" إن الأمر سيستغرق وقتا ومالا حتى يواكب قطاع النفط الطفرة في الطلب. ويتطلب إنتاج النفط استثمارات ضخمة، والتي جفت خلال معظم عام 2020. ووفقا لتحليلات عالمية، ستزيد النفقات الرأسمالية الخاصة بالاستكشاف والإنتاج بنسبة 8%، أو ما يصل إلى 392 مليار دولار، في عام 2021 بعد أن أدى الوباء إلى تراجع الاستثمارات بنسبة 25% في العام السابق.
وبعد أن عانت من صدمة الأسعار في عام 2020، تريد "أوبك" أن تشهد تعافيا أفضل في الطلب والأسعار لتبرير المزيد من الاستثمارات في التنقيب عن النفط وإنتاجه. وتعتقد المنظمة أن الزيادة التدريجية في الإنتاج أكثر صحة لسوق الطاقة من الارتفاع المفاجئ. وصدقت توقعات خبراء الطاقة بشأن اجتماع "أوبك" في 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري، حيث أقرت زيادة ضئيلة في الإنتاج بالرغم من الطلب القوي.
ثانيا، يبدو أن تباطؤ "أوبك" في زيادة الإنتاج مدفوع برغبة السعودية في استخدام نفوذها في تسعير النفط من أجل ضمان الدعم الأمريكي (سياسيا وعسكريا) للأنشطة السعودية في المنطقة. وحاليا، يسعى ولي العهد "محمد بن سلمان" إلى استعادة رأس ماله السياسي لدى الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، بعد تداعيات القتل الوحشي للصحفي "جمال خاشقجي".
وفي الوقت الذي يستعد فيه أعضاء "أوبك" لجني فوائد ارتفاع أسعار النفط، فإنهم يصمون آذانهم تماما أمام النداءات المتزايدة في جميع أنحاء العالم من أجل مستقبل خالٍ من الوقود الأحفوري بسبب أزمة المناخ المتفاقمة. وتؤدي تركيزات الكربون المتزايدة في الغلاف الجوي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب وتزيد من شدة وتواتر حالات الجفاف والفيضانات والأعاصير وغيرها من الظواهر الجوية المتطرفة.
أضيف بتاريخ :2021/12/29