#تقرير_خاص : "حياة الماعز" فيلم هندي يُشعل الجدل حول نظام الكفالة في السعودية
عبدالله القصاب
أثار الفيلم الهندي "حياة الماعز" الذي عرض مؤخراً على منصة نتفلكس جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في دول الخليج، وبالأخص في المملكة العربية السعودية، يدور الجدل حول تصوير الفيلم لقضية حساسة تتعلق بنظام الكفالة وتبعاته الاجتماعية والإنسانية على العمال الأجانب، على الرغم من تحذير مخرج الفيلم بأن العمل "لا يقصد الإساءة لأي بلد أو شعب أو مجتمع"، إلا أن القصة لامست وتراً حساساً لدى الكثيرين، ما أدى إلى موجة غضب واعتراض واسع من قبل السعوديين والخليجيين على حد سواء.
قصة "حياة الماعز": بين الإبداع والواقع المرير
يحكي الفيلم قصة نجيب، وهو شاب هندي يسافر إلى السعودية بحثاً عن فرصة عمل، ولكنه يجد نفسه ضحية لأحد المواطنين السعوديين الذي يدّعي أنه كفيله، يقوم الكفيل باحتجاز نجيب وإجباره على العمل كرعي الغنم في الصحراء لسنوات طويلة دون أي قدرة على الهرب أو التحرر من هذه العبودية المعاصرة. يُبرز الفيلم قسوة حياة العمال المهاجرين في ظروف قمعية، تتجاوز حدود الاستغلال البسيط إلى الحد الذي يفقد فيه العامل حريته وكرامته.
على الرغم من أن الفيلم يُعتبر من وجهة نظر بعض النقاد عملاً إبداعياً يعبر عن واقع مأساوي تعاني منه فئات مهمشة في العديد من الدول، إلا أن آخرين رأوا أن تناول نظام الكفالة في السعودية بهذا الأسلوب يُشكل إساءة مباشرة وغير مبررة للمجتمع السعودي.
نظام الكفالة في السعودية: جدل حول الإلغاء الحقيقي
يعتمد نظام الكفالة، الذي لطالما كان محل انتقادات حقوقية دولية، على مجموعة من الإجراءات التي تمنح أصحاب العمل السيطرة الكاملة على العمال الأجانب، وعلى الرغم من أن دول الخليج، بما فيها السعودية، قد أعلنت عن إصلاحات في هذا النظام، إلا أن الكثيرين يرون أن هذه الإصلاحات شكلية وغير كافية للتخلص من مظاهر الاستغلال المرتبطة به.
يستند النظام إلى خمسة عناصر رئيسية تعزز من سيطرة الكفيل على العامل:
إلزام العامل الوافد بكفيل لدخول البلاد: لا يمكن للعامل دخول السعودية أو العمل بها إلا إذا كان تحت كفالة صاحب عمل محلي.
تحكم أصحاب العمل بتصاريح الإقامة والعمل: يمتلك أصحاب العمل صلاحيات تجديد أو إلغاء تصاريح الإقامة والعمل الخاصة بالعمال الوافدين في أي وقت، ما يجعل العامل في موقف ضعف دائم.
اشتراط موافقة صاحب العمل على تغيير الوظيفة: لا يستطيع العامل الانتقال إلى وظيفة أخرى أو ترك عمله دون الحصول على موافقة الكفيل، ما يعزز من تبعية العامل لصاحب العمل.
بلاغات "الهروب": يسمح القانون لأصحاب العمل بالإبلاغ عن العمال الذين يتركون عملهم، مما يجعلهم بدون وثائق رسمية ويعرضهم للاعتقال والترحيل.
شرط تصريح الخروج: يتطلب مغادرة العامل البلاد موافقة الكفيل، مما يعني أن الكفيل يحتفظ بالتحكم في حرية التنقل الخاصة بالعمال.
استغلال العمال: نظام يوثق الانتهاكات
بموجب هذا النظام، يعاني العديد من العمال الوافدين في السعودية من سوء المعاملة والاستغلال. فمن السهل على أصحاب العمل استغلال سلطتهم لاحتجاز جوازات سفر العمال، وإجبارهم على العمل لساعات طويلة دون راحة أو أجر مناسب، كما يتعرض الكثير من العمال، وخاصة عاملات المنازل، لانتهاكات جسدية وجنسية، حيث يُحتجزون في منازل أصحاب العمل دون أي قدرة على الدفاع عن أنفسهم أو الهرب.
النظام يحول حياة العديد من العمال إلى معاناة مستمرة، عندما يفرون من الإساءات، يجدون أنفسهم بدون وثائق رسمية، معرضين للاعتقال أو الترحيل القسري، هذا الوضع يجعل من الصعب على العمال الوافدين تقديم أي شكاوى رسمية أو اللجوء إلى القضاء، إذ تظل حياتهم مرهونة بقرارات أصحاب العمل.
الإصلاحات: هل هي كافية؟
في الوقت الذي أعلنت فيه السعودية عن إدخال بعض التعديلات على نظام الكفالة، بما في ذلك تسهيل إجراءات انتقال العمال وتخفيف القيود على مغادرة البلاد، يشكك العديد من المراقبين في أن هذه الإصلاحات قد تلامس جوهر المشكلة، فلا يزال هناك الكثير من الشكاوى بشأن استمرار استغلال العمال، خاصة في القطاعات ذات الطبيعة العمالية المكثفة كالبناء والخدمات المنزلية.
ختاماً
يأتي فيلم "حياة الماعز" ليعكس معاناة حقيقة يعاني منها ملايين العمال في الخليج، سواء كان ذلك بقصد من المخرج أم لا، وعلى الرغم من التحفظات التي أُثيرت حول الفيلم في الأوساط الخليجية، إلا أنه يُلقي الضوء على قضية تستحق النقاش والاهتمام، نظام الكفالة بحاجة إلى إصلاحات جوهرية تحمي حقوق العمال وتمنحهم الحرية والكرامة، وهو أمر لا يزال بعيداً عن التحقق الكامل في السعودية والعديد من دول المنطقة.
أضيف بتاريخ :2024/08/21