#تقرير_خاص: حزب الله وإسرائيل: كل مواجهة تعيد تشكيل المشهد من جديد
علي الزنادي
في كل صراع بين حزب الله و”إسرائيل”، لا تعود الأمور إلى سابق عهدها، هذا الصراع لا يقتصر فقط على ميدان المعركة، بل يمتد ليشكل الوقائع الإقليمية والدولية، ويعيد صياغة المشهد السياسي والاقتصادي وحتى النفسي للمنطقة. لقد بات واضحاً أن كل مواجهة تترك بصمة لا تُمحى على مسار الأحداث، وتفتح الباب أمام تحليلات جديدة حول طبيعة الحرب ومستقبلها.
إعادة تعريف الصراع مع كل استهداف
منذ سنوات، تخوض المقاومة اللبنانية مواجهات متكررة مع “إسرائيل”، ومع كل استشهاد أو استهداف لأحد كوادر الحزب، يُعاد تشكيل معنى المقاومة ذاته، فالمشهد لا ينحصر في فقدان فرد أو قيادي، بل يتحول إلى حدث يحمل دلالات رمزية تترجم في الوعي الجمعي للمقاومة والشعب الداعم لها، الدماء التي تُسال في هذه المواجهات باتت عنصراً محورياً في بناء وترسيخ فكرة المقاومة، التي لا تُهزم رغم التضحيات.
كل استهداف تقوم به “إسرائيل” لقيادات حزب الله أو مواقعه العسكرية يعيد رسم حدود المواجهة، من جهة، تسعى “إسرائيل” لردع الحزب وإضعافه من خلال هذه الاستهدافات، ومن جهة أخرى، تسعى المقاومة لتحييد هذه المحاولات وفرض معادلات جديدة تجبر الاحتلال على مراجعة حساباته.
التحديات أمام المقاومة: معركة متعددة الجبهات
لا تقتصر المعركة على البعد العسكري، فحزب الله اليوم يواجه تحديات معقدة تتجاوز ميدان القتال. إذ تتطلب الحرب الإلكترونية والاستخباراتية مع “إسرائيل” جهداً مضاعفاً للتصدي لمحاولات الاختراق والتجسس، في ظل تفوق تقني يمتلكه الاحتلال، ومع ذلك، أثبت الحزب قدرته على تعزيز منظومته الأمنية، وتطوير أساليب الردع والتواصل بين كوادره بشكل يصعب اختراقه.
المقاومة اليوم، وهي التي قدمت آلاف الشهداء على مدار عقود، تدرك أن كل انتصار في المواجهة لا يُقاس فقط بالخسائر البشرية في صفوف العدو، بل بتأثيره على بنية الكيان الإسرائيلي ومجتمعه، فقد أصبح واضحاً أن كل ضربة يتلقاها الاحتلال تعمق شعور الخوف والقلق في داخله، وتضعف موقفه على المستويين الداخلي والدولي.
حسابات “إسرائيل” المعقدة: بين الردع والتصعيد
“إسرائيل”، التي كانت تعتقد أنها تمتلك اليد العليا في الصراع مع حزب الله، تجد نفسها اليوم أمام واقع معقد. فكل استهداف تقوم به يعيد تشكيل طبيعة المواجهة ويضعها أمام تحديات جديدة. الاحتلال يعلم تماماً أن كل ضربة يوجهها، سواء في لبنان أو في جبهة غزة، تتطلب ردود فعل مدروسة من حزب الله، مما يجعله يتعامل بحذر بالغ مع تصعيد الأمور إلى حرب شاملة.
ورغم أن القيادات الإسرائيلية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، تدفع نحو توسيع العمليات العسكرية، إلا أن الحسابات السياسية والاجتماعية تلعب دوراً في ضبط إيقاع الصراع. فالمجتمع الإسرائيلي نفسه يعاني من تصدعات داخلية، وصمود المقاومة في الشمال يمثل تهديداً مباشراً لاستقرار المستوطنين في تلك المناطق.
أولوية المقاومة: التحصين الداخلي والاستجابة المناسبة
في مواجهة هذا التصعيد، يبدو أن حزب الله يضع أولوية قصوى لتعزيز تحصينه الداخلي. فالمقاومة اليوم لا تقتصر على السلاح والقتال، بل تمتد إلى بناء جبهة داخلية متماسكة، وقادرة على مواجهة التحديات النفسية والاقتصادية التي يفرضها الاحتلال، وهذا التحصين يتطلب تطوير قدرات الحزب الاستخباراتية والتقنية لمواكبة التطور التكنولوجي الذي تستخدمه “إسرائيل” لضرب المقاومة.
إضافة إلى ذلك، يعمل حزب الله على تطوير استراتيجيات استجابة مرنة تتناسب مع طبيعة كل استهداف إسرائيلي فالحزب يدرك أن المواجهة المباشرة ليست دائماً الخيار الأنسب، خصوصاً في ظل التوترات الإقليمية والتعقيدات الدولية، ولهذا، يعتمد الحزب على ضربات مدروسة تُحرج الاحتلال وتفقده القدرة على التصعيد، وفي الوقت نفسه تحفظ أمن واستقرار لبنان.
صراع وجودي: المقاومة في وجه المشروع الصهيوني
الصراع بين حزب الله و”إسرائيل” ليس مجرد مواجهة عسكرية؛ إنه صراع وجودي يتجاوز الحسابات الجغرافية والسياسية، حزب الله يرى في “إسرائيل” مشروعاً استعمارياً لا يمكن التعايش معه، وهو ما يعزز موقفه الجذري في مواجهة الاحتلال، هذا الموقف ينبع من إيمان راسخ لدى الحزب، وكذلك لدى شريحة واسعة من المجتمع اللبناني والعربي، بأن تحرير الأرض لا يأتي إلا من خلال التضحيات والمقاومة المستمرة.
في النهاية، كل مواجهة بين حزب الله و”إسرائيل” تعيد رسم خريطة الصراع، وتفتح المجال أمام سيناريوهات جديدة. ورغم أن الاحتلال يسعى جاهداً لتغيير قواعد الاشتباك وفرض معادلات جديدة، إلا أن المقاومة تظل قادرة على قلب المعادلة، وإجبار “إسرائيل” على مراجعة سياساتها.
أضيف بتاريخ :2024/09/24