#تقرير_خاص: طوفان الأقصى: كيف أربكت المقاومة خطط إسرائيل العسكرية؟
فاطمة مويس
في السابع من أكتوبر 2023، أطلقت المقاومة الفلسطينية واحدة من أجرأ عملياتها ضد الاحتلال الإسرائيلي، في عملية أُطلق عليها اسم "طوفان الأقصى"، والتي شهدت هجوماً غير مسبوق على المستوطنات الإسرائيلية. في ظل حالة الحصار التي يعاني منها قطاع غزة، فوجئ العالم بالقدرات العسكرية المتطورة التي أظهرتها حماس والفصائل المقاومة، ما أثار تساؤلات حول أهداف هذه العملية ونتائجها الاستراتيجية.
لكن السؤال الذي يظل مطروحاً حتى اليوم، هو: لماذا تم إطلاق هذه العملية، ولماذا في ذلك التوقيت تحديداً؟ ولماذا يشير العديد من المحللين إلى أن "طوفان الأقصى" قد عطّل خطة إسرائيلية كانت قيد التحضير؟
إحباط مخطط "إسرائيلي" للهجوم
التوقيت لم يكن صدفة، إذ تشير تقارير متعددة إلى أن الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، كانت على دراية بخطة إسرائيلية كانت في طور الإعداد لشن حرب واسعة النطاق على غزة، هذه الخطة كانت تهدف إلى تدمير القدرات العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي، وإعادة احتلال القطاع بشكل جزئي أو كامل، وقد كشف المحلل السياسي عزام أبو العدس، في حديث لقناة "الجزيرة"، أن العملية الهجومية التي نفذتها المقاومة سبقت تحركاً إسرائيلياً كان من شأنه أن يُدخل غزة في دوامة جديدة من الدمار والحصار.
التصريحات الإسرائيلية التي سبقت عملية "طوفان الأقصى" تشير إلى هذه النية الهجومية. ففي نيسان 2023، قال وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير إن "الوقت قد حان لتتدحرج الرؤوس في قطاع غزة"، مهدداً بعملية عسكرية واسعة تتجاوز الردود التقليدية على إطلاق الصواريخ من القطاع، وبعد فترة قصيرة، توعد وزير المالية الإسرائيلي بتسئيل سموتريتش بإمكانية إعادة احتلال قطاع غزة ونزع سلاح حماس كحل نهائي للصراع المستمر.
"طوفان الأقصى": ضربة استباقية
رداً على هذه التهديدات والتصعيد الإسرائيلي المستمر، جاءت عملية "طوفان الأقصى" كضربة استباقية أربكت الحسابات الإسرائيلية، وحوّلت المعركة من مبادرة هجومية إسرائيلية إلى حالة دفاع مستمر ضد هجمات متواصلة من المقاومة. فبدلاً من أن تفرض "إسرائيل" شروطها عبر قوة الردع والهجوم الخاطف، وجدت نفسها أمام تصعيد طويل الأمد في غزة، تزامناً مع فتح جبهات جديدة على الحدود الشمالية مع لبنان، وضغط داخلي متزايد مع تصاعد العمليات المسلحة في الضفة الغربية.
الهجوم الذي شنته المقاومة على المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، مستخدمة فيه تكتيكات متنوعة، من الصواريخ والطائرات الشراعية إلى الاقتحامات البرية، لم يكن فقط ضربة عسكرية، بل كان أيضاً تحدياً سياسياً وإعلامياً للكيان الإسرائيلي، إذ أسفرت العملية عن أسر عشرات الإسرائيليين، ما شكل ورقة ضغط إضافية على حكومة نتنياهو.
الأبعاد السياسية والعسكرية
على الرغم من القوة العسكرية الهائلة التي تمتلكها "إسرائيل"، فإن عملية "طوفان الأقصى" أثبتت أن المقاومة الفلسطينية قادرة على إرباك حسابات الاحتلال في أكثر اللحظات حساسية، فبدلاً من الاستمرار في استراتيجية "الردع" الإسرائيلية التقليدية، أجبرت الفصائل الفلسطينية الاحتلال على الدخول في مربع الاستنزاف المتواصل، وهو ما يضع "إسرائيل" في موقف صعب على المستويين العسكري والسياسي.
المقاومة الفلسطينية لم تنتظر أن تُفرض عليها معركة جديدة من قبل الجيش الإسرائيلي، بل اختارت أن تبدأها في الوقت الذي ترى فيه نفسه الأكثر ملاءمة، وبذلك عطلت أي خطط إسرائيلية قد تكون قيد التنفيذ. هذه الاستراتيجية لم تمنح المقاومة القدرة على الصمود فحسب، بل أيضاً على توجيه دفة الصراع والتأثير على الرأي العام العالمي الذي شهد الهجوم الإسرائيلي الواسع على قطاع محاصر.
هل تغيرت قواعد اللعبة؟
في النهاية، قد يكون "طوفان الأقصى" هو الحدث الذي ألقى بظلاله على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لعقود قادمة. فبقدر ما كانت العملية تحدياً عسكرياً للاحتلال، كانت أيضاً خطوة استباقية من جانب المقاومة، تهدف إلى تحييد الخطط الإسرائيلية الطموحة وإعادة الأمور إلى مربع الاستنزاف المتبادل، الآن، وبعد مرور عام على تلك الأحداث، لا تزال "إسرائيل" تكافح لتحقيق أهدافها العسكرية، في وقت باتت فيه جبهات المقاومة مفتوحة على أكثر من اتجاه.
ما حدث في السابع من أكتوبر 2023 ليس مجرد تصعيد آخر في الصراع، بل هو لحظة محورية قد تعيد تشكيل معادلة الصراع بأكملها، ويدفع "إسرائيل" إلى إعادة التفكير في استراتيجيتها تجاه غزة والمقاومة الفلسطينية.
أضيف بتاريخ :2024/10/08