#تقرير_خاص: ابن سلمان قابض الأرواح: الإعدامات في السعودية.. عقوبة أم وسيلة ترهيب؟
عبدالله القصاب
في عام 2024، سجلت المملكة العربية السعودية رقماً قياسياً غير مسبوق في عدد الإعدامات، مع إعدام 198 شخصاً حتى الآن، وفقاً لمنظمة العفو الدولية. هذا العدد الهائل يمثل أعلى مستوى من الإعدامات في السعودية منذ عام 1990، مما يطرح تساؤلات كبيرة حول أهداف هذه السياسة وتداعياتها على حقوق الإنسان في المملكة.
بعيداً عن الصورة التحديثية التي يحاول ولي العهد محمد بن سلمان تسويقها عبر "رؤية 2030"، التي تسعى إلى تحسين الاقتصاد وتطوير المجتمع السعودي، لا تزال المملكة تعتمد بشكل واسع على الإعدام كأداة لإحكام قبضتها على السلطة وإسكات أصوات المعارضين. ومن خلال هذه العقوبة القصوى، يبدو أن القيادة السعودية تبعث برسالة واضحة لكل من يحاول أن يرفع صوته: أي معارضة للنظام ستنتهي على حبل المشنقة.
عقوبة الإعدام بين القانون والترهيب السياسي
استخدام الإعدام كعقوبة ليس بالأمر الجديد في السعودية، ولكن تزايد هذه العقوبة في السنوات الأخيرة يعكس تحولاً واضحاً في الاستراتيجية السياسية للحكومة السعودية. فبدلاً من أن تكون العقوبة محصورة في الجرائم الكبرى مثل القتل أو تهريب المخدرات، يتم اليوم توظيفها بشكل أوسع لإسكات كل صوت معارض.
المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية تحدثتا عن انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان في محاكمات الإعدام. المتهمون غالباً ما يتعرضون للتعذيب لانتزاع الاعترافات، في ظل غياب الشفافية عن مجريات المحاكمات. لا يسمح للمحكومين بالدفاع عن أنفسهم بشكل عادل، ما يجعل من المحاكمات أشبه بمسرحيات هزلية تُكتب نهايتها مسبقاً. مثل هذه الممارسات تشوه مصداقية النظام القضائي السعودي، وتجعل من عقوبة الإعدام وسيلة قمع لا مجرد عقوبة جنائية.
رؤية مزدوجة: ترويج التحديث والقمع المتزايد
منذ صعود محمد بن سلمان إلى السلطة، يسعى لتقديم نفسه على أنه قائد إصلاحي يسعى لتحديث المجتمع السعودي والاقتصاد عبر "رؤية 2030". وعلى الرغم من أن هذه الرؤية تهدف إلى تقليص اعتماد السعودية على النفط وتوسيع الحريات الاجتماعية، إلا أن الجانب السياسي لهذه "الإصلاحات" مليء بالتناقضات.
بينما يروج بن سلمان لتطوير المجتمع السعودي عبر منح المرأة بعض الحقوق وتخفيف القيود الدينية الصارمة، يقابل هذا الوجه التقدمي بوجه آخر أشد قسوة، يتمثل في تصعيد القمع السياسي وزيادة الإعدامات. فقد تم استخدام هذه العقوبة ضد معارضين سياسيين وناشطين في مجالات حقوق الإنسان، مما يُظهر أن النظام الحالي يفرق بين "الإصلاح الاجتماعي" و"الإصلاح السياسي". الأول مرحب به طالما لا يتحدى النظام الحاكم، أما الثاني فهو محظور تماماً ويواجه بقسوة لا رحمة فيها.
إرهاب الدولة تحت غطاء "القانون"
في هذا السياق، تبرز السعودية كواحدة من الدول التي تستخدم عقوبة الإعدام بشكل مفرط تحت غطاء "تطبيق القانون"، في حين أن الأبعاد الحقيقية لهذه السياسة ترتبط بشكل أكبر برغبة النظام في ترسيخ قبضته على السلطة. الإعدامات ليست وسيلة لتحقيق العدالة بقدر ما هي رسالة سياسية لكل من يفكر في تحدي الحكومة أو يعبر عن معارضته.
ما يجعل الوضع أكثر إرباكاً هو التباين الواضح بين ما تروج له السعودية على الساحة الدولية من تحديث وإصلاح، وبين الواقع القمعي الذي تعيشه البلاد داخلياً. الإعدامات المتزايدة تُعتبر جزءاً من آلة القمع، التي لا تستهدف فقط المعارضين السياسيين، بل تشمل أيضاً نشطاء حقوق الإنسان ورجال الدين الذين يرفعون أصواتهم ضد المظالم.
التناقضات الخطيرة في المشهد السعودي
ما يحدث في السعودية يعكس تناقضات صارخة بين ما يُعرض للعالم الخارجي وما يحدث على أرض الواقع. محمد بن سلمان يحاول تقديم نفسه كمصلح يقود المملكة نحو الحداثة والانفتاح، لكنه في الوقت نفسه يواصل استخدام أساليب قديمة قمعية لإسكات كل من يعارض توجهاته أو سياساته.
إذا كانت "رؤية 2030" تتطلع إلى مستقبل جديد للسعودية، فإن ممارسات النظام في الوقت الحالي تعكس توجهاً معاكساً تماماً. فبدلاً من بناء مجتمع عادل ومتقدم، يبدو أن النظام يفضل اللجوء إلى أساليب قديمة من الترهيب والقمع، حيث يتحول حبل المشنقة إلى وسيلة لإسكات الأصوات.
إلى أين يتجه النظام السعودي؟
مع كل إعدام جديد، تزداد التساؤلات حول مدى قدرة النظام السعودي على الحفاظ على هذه الواجهة الإصلاحية التي يحاول ترويجها. فالنظام الذي يعتمد على القمع والإعدامات لترسيخ سلطته سيواجه بالتأكيد تحديات داخلية وخارجية. من الصعب التوفيق بين طموحات التحديث والتقدم وبين ممارسات قمعية تنتهك أبسط حقوق الإنسان.
يبقى السؤال الكبير: هل سيظل النظام السعودي متمسكاً بهذه الأساليب القمعية على المدى الطويل؟ أم أنه سيضطر في نهاية المطاف إلى مواجهة الضغوط الدولية المتزايدة وإجراء إصلاحات حقيقية على مستوى الحريات وحقوق الإنسان؟ ما هو مؤكد هو أن استمرار هذه الممارسات سيجعل من الصعب على المملكة الاستمرار في تقديم نفسها كدولة حديثة متقدمة، في حين تواصل خنق الحريات وإسكات المعارضة بحبل المشنقة.
أضيف بتاريخ :2024/10/09