التقارير

السعودية والإعدامات: لماذا تصر المملكة على تنفيذ أحكام الإعدام رغم الانتقادات الدولية؟

سلمى محمد

تصاعد غير مسبوق في أعداد الإعدامات

سجلت مملكة آل سعود في عام 2024 عددًا قياسيًا من الإعدامات، حيث تم تنفيذ 274 حكمًا حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وفقًا لوكالة الصحافة الفرنسية، بينهم 101 أجنبي. وأكدت منظمة العفو الدولية تنفيذ 198 عملية إعدام حتى سبتمبر/أيلول. وبذلك، تتجاوز السعودية أرقامها السابقة، ما يجعلها من بين أكثر الدول تنفيذًا لعقوبة الإعدام عالميًا، بعد الصين وإيران.

هذا التصاعد أثار ردود فعل دولية حادة، حيث نددت منظمات حقوق الإنسان بالإعدامات، مشيرةً إلى غياب الشفافية وضمانات المحاكمة العادلة، وسط اتهامات بأن المحاكم السعودية تعتمد في كثير من القضايا على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب.

الإعدامات ورؤية 2030: تناقض في المشهد

في الوقت الذي تسعى فيه السعودية إلى تعزيز صورتها عالميًا عبر تنظيم فعاليات ثقافية وفنية ضخمة، مثل مهرجان البحر الأحمر السينمائي، وموسم الرياض، ومهرجان "مدل بيست"، تستمر الانتقادات الموجهة إلى ملفها الحقوقي، خاصة فيما يتعلق بالإعدامات.

وقد أكدت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أن عمليات الإعدام في السعودية تتم غالبًا بعد محاكمات لا تستوفي المعايير الدولية للعدالة، داعيةً المملكة إلى تقليص استخدام العقوبة في أضيق الحدود، وفقًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

لماذا تصر السعودية على تنفيذ الإعدامات؟

على الرغم من الانتقادات الدولية، تبدو السعودية مصرةً على المضي قدمًا في تنفيذ أحكام الإعدام. ويعود ذلك إلى عدة عوامل رئيسية:

  1. تعزيز السيطرة السياسية
     تستخدم السعودية عقوبة الإعدام كأداة لقمع المعارضة وإرسال رسالة واضحة مفادها أن أي تحرك ضد السلطة لن يكون مقبولًا. ويشمل ذلك المعارضين السياسيين، وسجناء الرأي، وحتى أفراد من الأقليات الذين يُحاكمون بتهم متعلقة بالإرهاب أو زعزعة الأمن.
     
  2. الشرعية الدينية والقانونية
     تعتمد المملكة على تفسيرها الصارم للشريعة الإسلامية، حيث تعتبر أن الإعدامات وسيلة شرعية لمعاقبة الجرائم الكبرى، مثل القتل، الإرهاب، وتهريب المخدرات. وهذا يمنحها غطاءً دينيًا لمواصلة تنفيذ الأحكام دون الحاجة إلى تقديم تنازلات أمام الضغوط الدولية.
     
  3. الردع والتخويف
     تؤمن السلطات بأن تنفيذ الإعدامات علنًا أو الإعلان عنها عبر وسائل الإعلام الرسمية يساهم في ردع أي محاولات للتمرد أو المعارضة.
     
  4. عدم التأثر بالانتقادات الدولية
     رغم الإدانات الحقوقية، تدرك السعودية أن القوى الكبرى لن تمارس ضغوطًا جدية عليها بسبب المصالح الاقتصادية والجيوسياسية التي تربطها بها.
     

لماذا لا تمارس القوى الغربية ضغوطًا حقيقية على السعودية؟

رغم تصاعد الانتقادات الدولية، لا تزال الدول الغربية تتعامل بحذر مع السعودية، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب:

  1. المصالح الاقتصادية والعسكرية
     تُعد السعودية أحد أكبر الأسواق العالمية للاستثمارات الغربية، كما أنها من أكبر مستوردي الأسلحة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا. لذا، فإن أي ضغوط حقيقية على الرياض قد تؤثر على هذه المصالح بشكل مباشر.
     
  2. دور السعودية في سوق النفط العالمي
     المملكة لاعب رئيسي في "أوبك+" وتمتلك نفوذًا واسعًا في تحديد أسعار النفط، وهو ما يجعل الدول الغربية حريصة على عدم التصعيد معها لتجنب أي تداعيات اقتصادية عالمية.
     
  3. التحالف الاستراتيجي ضد إيران
     تشكل السعودية حليفًا رئيسيًا للغرب في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، لذا تتجنب القوى الكبرى اتخاذ مواقف صارمة ضدها، خوفًا من تقاربها مع الصين وروسيا.
     
  4. ازدواجية المعايير
     تتعامل الدول الغربية بسياسة الكيل بمكيالين في ملف حقوق الإنسان؛ إذ تدين ممارسات الصين وإيران بشدة، لكنها تتجنب المواجهة المباشرة مع السعودية، مما يثير تساؤلات حول مصداقية الخطاب الحقوقي الغربي.
     

خاتمة: هل ستؤدي الضغوط الدولية إلى تغيير في السعودية؟

رغم الإدانات المستمرة، لا يبدو أن السعودية ستتراجع عن نهجها في تنفيذ أحكام الإعدام، خاصةً مع غياب أي ضغوط فعلية من القوى الكبرى. وبينما تواصل المملكة الترويج لصورة أكثر انفتاحًا عبر رؤيتها الاقتصادية والثقافية، سيظل ملف حقوق الإنسان مصدر انتقادات قد يؤثر على قدرتها في تحقيق أهدافها الطموحة، ما لم تُقدم على إصلاحات جوهرية في نظام العدالة الجنائية.

إلى أي مدى يمكن أن يستمر هذا التناقض بين الإصلاحات الاقتصادية والقمع السياسي؟ وهل ستدفع السعودية ثمن تجاهلها للانتقادات الدولية يومًا ما؟

 

أضيف بتاريخ :2025/02/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد