التقارير

قطر وعزمي بشارة: تحالف الفكر والسياسة في دعم الإسلاميين

علي عبد المعطي

منذ وصوله إلى الدوحة عام 2007، أصبح المفكر الفلسطيني عزمي بشارة أحد أبرز الشخصيات المؤثرة في رسم السياسات القطرية، خاصة فيما يتعلق بدعم تيارات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من خلفيته اليسارية القومية، فإن بشارة لعب دورًا محوريًا في إعادة صياغة الخطاب السياسي القطري، ليصبح أكثر توافقًا مع الحركات الإسلامية، مما يطرح تساؤلات حول طبيعة هذا التحالف، ودوافعه، وأبعاده الإقليمية.

علاقة قطر بالإخوان المسلمين: نفوذ استراتيجي

بدأت علاقة قطر بجماعة الإخوان المسلمين منذ خمسينيات القرن الماضي، عندما استقبلت الدوحة شخصيات إخوانية بارزة بعد صدامهم مع الأنظمة العربية، وخاصة في مصر. وبمرور الوقت، تحولت قطر إلى داعم أساسي للجماعة، سواء عبر التمويل، أو الدعم الإعلامي، أو تقديم اللجوء السياسي لقياداتها. ورغم أن الفرع القطري للجماعة حلّ نفسه في 1999، إلا أن الدوحة واصلت دعم الإخوان في دول أخرى، مثل مصر وتونس وليبيا، معتبرة إياهم ورقة نفوذ إقليمية في مواجهة القوى المنافسة، مثل السعودية والإمارات.

هذا الدعم يضع قطر في معادلة معقدة؛ فمن ناحية، هي حليف قوي للولايات المتحدة وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة (قاعدة العديد الجوية)، ومن ناحية أخرى، تحافظ على علاقات مع إسرائيل، بينما تدعم جماعات إسلامية تصنفها بعض الدول كـ"تهديد أمني". هنا يظهر دور عزمي بشارة في الموازنة بين هذه التناقضات.

كيف يدعم عزمي بشارة الإخوان رغم كونه يساريًا؟

عزمي بشارة، الذي كان نائبًا في الكنيست الإسرائيلي وناشطًا في التيار القومي العربي، تحول بعد مغادرته فلسطين إلى أحد أبرز مهندسي السياسة الإعلامية والفكرية لقطر. وبدلًا من التركيز على الخطاب القومي التقليدي، انخرط في الترويج للإسلام السياسي كجزء من مشروع ديمقراطي عربي، في توافق مع السياسة القطرية.

1. الالتقاء في معاداة الأنظمة التقليدية

كلٌ من بشارة وجماعة الإخوان المسلمين يتبنون موقفًا معارضًا للأنظمة العربية التقليدية، خاصة السعودية والإمارات ومصر. بالنسبة لقطر، فإن دعم الإسلاميين يمثل وسيلة لموازنة الهيمنة الإقليمية لتلك الدول، وبشارة لعب دورًا محوريًا في توفير الإطار الفكري والإعلامي لهذا الدعم.

2. الترويج لفكرة "الإسلام الديمقراطي"

في دراساته ومؤتمراته، كان بشارة من أبرز المروجين لفكرة أن الإخوان المسلمين يمكن أن يكونوا جزءًا من مشروع ديمقراطي عربي، وليسوا مجرد حركة دينية. ساعد في إعادة تقديم الإسلاميين كـ"قوة تغيير" في المنطقة، مستفيدًا من تجارب الأحزاب الإسلامية في تركيا وتونس.

3. الهيمنة على المشهد الإعلامي والفكري في قطر

بصفته مستشارًا مؤثرًا، ساهم عزمي بشارة في تأسيس وإدارة مؤسسات إعلامية وفكرية تخدم هذا التوجه، ومنها:

  • شبكة الجزيرة، التي منحت مساحة واسعة للإخوان المسلمين خلال الربيع العربي وما بعده.
  • التلفزيون العربي، الذي يقدم تغطية داعمة للتيارات الإسلامية.
  • المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الذي يروج لأبحاث ودراسات تعزز مشروع الإسلام السياسي في سياق التحول الديمقراطي.

4. دعم الإسلاميين كبديل للقوميين العرب

رغم انتمائه القومي السابق، فإن بشارة ساهم في إضعاف التيارات القومية التقليدية، مثل الناصريين والبعثيين، لصالح تيارات الإسلام السياسي، بحجة أنها تمثل "الإرادة الشعبية" بعد الربيع العربي.

لماذا تدعم قطر عزمي بشارة؟

رغم اختلاف خلفيته الفكرية عن الإسلاميين، فإن وجود بشارة في الدوحة يحقق عدة أهداف استراتيجية لقطر:

  1. تقديم غطاء فكري ديمقراطي لدعم الإسلاميين، مما يجعل الموقف القطري يبدو أكثر "حداثة" وأقل "أيديولوجية".
  2. المساعدة في رسم سياسات إعلامية مؤثرة تدعم الإسلاميين دون التصادم المباشر مع الغرب.
  3. إدارة شبكة فكرية وإعلامية تعزز النفوذ القطري في العالم العربي، وتوفر أداة ضغط في القضايا الإقليمية.

الخلاصة

قطر نجحت في بناء تحالف ذكي بين الإسلام السياسي والفكر الديمقراطي، مستفيدة من شخصية عزمي بشارة، الذي تحول إلى مهندس إعلامي وفكري لدعم الإسلاميين، رغم انتمائه اليساري السابق. هذا التحالف يعكس الاستراتيجية القطرية في استخدام القوة الناعمة لتعزيز نفوذها، مع الحفاظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، في مشهد سياسي معقد يوازن بين المتناقضات.

 

 

أضيف بتاريخ :2025/02/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد