#تقرير_خاص: عودة المعارضين إلى السعودية: بين الوعود الزائفة والواقع القاسي

علي الزنادي
في الثاني من آذار/مارس 2025، أطلق رئيس أمن الدولة عبد العزيز الهويريني تصريحات مثيرة للجدل حول إمكانية عودة المعارضين إلى السعودية، مشيرًا إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان يرحب بعودتهم بشرط عدم وجود "مشاكل خاصة". هذه التصريحات تأتي في وقت تعاني فيه البلاد من قمع سياسي متزايد وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، مما يثير تساؤلات جدية حول نوايا النظام.
إن الدعوة للعودة تبدو وكأنها محاولة لتجميل صورة النظام أمام المجتمع الدولي، في ظل استمرار الاعتقالات التعسفية وعمليات الإعدام المتزايدة. فكيف يمكن للمعارضين الوثوق بنظام يستخدم القوانين كأداة لقمع الأصوات المستقلة؟ إن البيئة السياسية الحالية لا تشجع على العودة، بل تعكس واقعًا قاسيًا يتسم بالاستبداد.
منذ صعود محمد بن سلمان إلى السلطة، شهدت البلاد تراجعًا ملحوظًا في مظاهر المشاركة السياسية. فقد تم إلغاء العديد من الفعاليات التي كانت تُعتبر رمزية، مثل المجالس البلدية. وفي الوقت نفسه، تتزايد الضغوط على الحريات الدينية والثقافية، مما يعكس تناقضًا صارخًا بين الانفتاح الاجتماعي والقمع السياسي.
القوانين الجديدة التي أُقرت تحت مسمى مكافحة الإرهاب قد زادت من صلاحيات السلطات بشكل غير مسبوق. إذ يُصنف أي انتقاد للحكم كعمل إرهابي، مما يجعل التعبير عن الرأي جريمة يعاقب عليها بالسجن لفترات طويلة. هذا الواقع يجعل أي حديث عن العودة مشروطًا بإصلاحات حقيقية وليس مجرد وعود فارغة.
التجارب السابقة تُظهر أن العودة بناءً على وعود زائفة لم تؤدِ إلا إلى مزيد من القمع. ففي التسعينيات، عاد المعارضون بعد وعود الملك فهد ليجدوا أنفسهم في مواجهة نظام لم يلتزم بتعهداته. اليوم، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه ولكن بصورة أكثر قسوة.
إن المشكلة ليست فقط في حقوق الأفراد بل تتعلق ببنية النظام نفسه الذي يقوم على حكم أسري وراثي يحتكر السلطة والثروة. هذا الوضع يمنع الشعب من ممارسة حقه في تقرير مصيره السياسي ويجعل أي دعوة للعودة بلا قيمة حقيقية.
لذا فإن الحديث عن عودة المعارضين يجب أن يرتبط بإصلاحات سياسية جذرية تضمن حقوق المواطنين وتعيد لهم القدرة على المشاركة الفعالة في الحياة السياسية. إن بناء دولة حديثة يتطلب تغييراً جذرياً في هيكل السلطة بحيث يكون القرار بيد الشعب وليس محصوراً في فئة أو عائلة حاكمة.
في النهاية، تبقى دعوات العودة مجرد محاولات لتصفية المعارضة ما لم تكن مصحوبة بضمانات حقيقية للإصلاح السياسي والحقوقي. إن الطريق نحو التغيير الحقيقي يتطلب شجاعة وإرادة سياسية قوية لإعادة بناء الثقة بين النظام والشعب وتحقيق العدالة والمساواة للجميع.
أضيف بتاريخ :2025/03/06