#تقرير_خاص: الشرق الأوسط على أعتاب تحولات جذرية: هل بدأ عصر جديد من التوازنات الدولية والإقليمية؟

علي الزنادي
في ليلةٍ وصفها الداخل الإسرائيلي بأنها "الأصعب منذ قيام الكيان"، شهدت إسرائيل هجوماً غير مسبوق من إيران، عبر موجات متتالية من الصواريخ والمسيّرات التي اخترقت منظومات الدفاع، مخلفة أضراراً مادية ونفسية عميقة. هذا الحدث لم يكن مجرد تصعيد عابر، بل علامة فارقة في مسار المنطقة والعالم، يكشف عن تحول جوهري في بنية النظام الدولي ويعيد رسم ملامح توازن القوى في الشرق الأوسط.
الهجوم الإيراني جاء كرد فعل مباشر على استهداف منشآت نووية وعسكرية إيرانية، واغتيال عدد من العلماء والمسؤولين. لكنه، في ذات الوقت، كشف عن ضعف بنيوي في إسرائيل، وأظهر أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة تتجاوز فيها مفاهيم الردع التقليدية. فإيران تثبت اليوم أنها ليست فقط دولة ذات قدرات نووية محتملة، بل قوة عسكرية تمتلك إرادة للمواجهة والتحدي المباشر أمام إسرائيل والغرب على حد سواء.
هذا التطور يعكس تحولا كبيرا في النظام الدولي الذي كان يُعرف بسيطرة أميركية شبه مطلقة على المنطقة. فبعد عقود من الهيمنة والتدخل المباشر، يبدو أن الولايات المتحدة بدأت تفقد جزءاً من نفوذها التقليدي، فيما تتراجع مكانة الأحادية القطبية لصالح نظام أكثر تعددية وتوازناً. إذ لم تعد هناك جهة واحدة تملك القدرة على فرض إرادتها بشكل كامل أو ضمان استقرار المنطقة بشكل مطلق.
وفي ظل هذا المشهد الجديد، تتغير معادلات القوة والردع بشكل جذري. فالدول الإقليمية باتت ترى في نفسها مرشحة لتشكيل توازن جديد إذا ما امتلكت السلاح والإرادة السياسية اللازمة لذلك. نجاح إيران في تحدي إسرائيل علناً يرسخ مفهوم أن الردع لم يعد محصوراً بين طرفين فقط، وأن البيئة الإقليمية أصبحت أكثر هشاشة وتفاعلاً مع عوامل القوة والصراع المفتوح.
أما إسرائيل، فهي الآن أمام تحدٍ وجودي حقيقي يهدد سمعتها ومكانتها كقوة لا تُقهر في المنطقة. فهي لم تعد قادرة على الاعتماد فقط على التفوق العسكري أو الدعم الأميركي المطلق؛ إذ إن الصورة تغيرت تماماً بعد هذا الهجوم الذي أظهر أن أي طرف يمتلك الإرادة والسلاح يمكنه أن يفرض واقعه ويغير قواعد اللعبة.
وفي سياق ذلك، فإن الولايات المتحدة تواجه وضعاً معقداً؛ فهي لم تعد الضامن الأوحد للأمن الإقليمي كما كانت سابقاً، بل أصبحت طرفاً يُشكك في نواياه وقدرته على الوفاء بالتزاماته التقليدية تجاه حلفائها وإسرائيل تحديداً. هذا الأمر يعمّق حالة عدم اليقين ويُسهم في إعادة تقييم التحالفات والاستراتيجيات الأميركية في المنطقة بشكل جذري.
أما النظام الدولي بأكمله فهو يشهد تحولاً نحو لا مركزية واضحة؛ حيث تتراجع هيمنة القوى الكبرى وتتزايد أدوار الدول الإقليمية التي تمتلك الإرادة والسلاح لتحقيق مصالحها الخاصة أو صياغة توازنات جديدة للسلطة والنفوذ. هذه التحولات قد تؤدي إلى نظام أكثر تعقيدًا وتعددًا للقطب السياسية والاقتصادية والأمنية.
وفي النهاية، يمكن القول إن الشرق الأوسط يدخل حقبة جديدة تختلف تمامًا عن العقود الماضية؛ إذ لن يكون هناك بعد الآن استقرار دائم أو سيطرة كاملة لأي طرف واحد. فالصراعات ستظل قائمة ولكنها ستأخذ أشكالًا أكثر تعقيدًا وتداخلًا بين الأبعاد العسكرية والسياسية والاقتصادية.
أضيف بتاريخ :2025/06/16