التقارير

#تقرير_خاص: هل تملك السعودية الجرأة لإعادة توجيه استراتيجيتها بعيدًا عن رهانات النفط؟  

علي الزنادي

تواجه المملكة العربية السعودية تحديات اقتصادية غير مسبوقة، حيث تجاوزت ديونها الخارجية حاجز الـ225 مليار دولار، وهو رقم يعكس حجم الضغوط المالية التي تتعرض لها البلاد. هذا الرقم يضع السعودية في المرتبة الثالثة عالميًا من حيث الديون الخارجية، متفوقة على العديد من الدول ذات الاقتصادات الكبرى، ويأتي ذلك في ظل إنفاق هائل على ميزانية الدفاع التي تصل إلى حوالي 75 مليار دولار سنويًا.  

الإنفاق العسكري الكبير يعكس رغبة الرياض في تعزيز قدراتها العسكرية، إذ تعد من أكبر الدول إنفاقًا على السلاح على مستوى العالم، وتحتل المرتبة الأولى عربيًا والخامسة عالميًا. لكن هذا الإنفاق الضخم يأتي على حساب موارد الدولة، خاصة مع تراجع عائدات النفط الذي يُعد المصدر الرئيسي للدخل الوطني. انخفاض أسعار النفط أدى إلى دخول السعودية في أزمة اقتصادية حادة، زادت من وتيرة الاقتراض الخارجي ودفعتها لمراجعة مشاريع ضخمة مثل “نيوم” و”ذا لاين”.  

هذه المشاريع الطموحة كانت تعتمد بشكل كبير على توقعات بارتفاع أسعار النفط، إلا أن التحديات التمويلية الحالية تهدد جدواها واستدامتها. فمع تراجع العائدات النفطية، باتت تلك المشاريع تواجه صعوبات في التمويل، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرة رؤية 2030 على تحقيق أهدافها وسط تقلبات السوق العالمية.  

الأمر اللافت أن الاقتراض السعودي لم يُسهم بشكل فعال في دفع النمو الاقتصادي الحقيقي؛ بل استُخدم بشكل رئيسي لتغطية الإنفاق الجاري بدلاً من الاستثمار في قطاعات إنتاجية حقيقية. نتيجة لذلك، ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي من 1.5 بالمئة عام 2014 إلى نحو 30 بالمئة عام 2024، وهو مؤشر خطير يعكس اعتماد المملكة المفرط على الدين لتمويل نفقاتها العامة.  

وفي سياق متصل، سجلت السعودية عجزًا ماليًا بلغ 58 مليار ريال خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 نتيجة لانخفاض أسعار النفط وارتفاع الإنفاق العام. هذا العجز دفع الحكومة إلى تأجيل العديد من المشاريع التنموية والاستثمارية التي كانت تُعول عليها لتعزيز التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط وحده.  

من جهة أخرى، تشير التوقعات إلى أن قطاعات مثل التصنيع والسياحة والتكنولوجيا قد تستغرق عقودًا لتحقيق نجاح ملموس يُسهم في تنويع الاقتصاد الوطني وإيجاد مصادر دخل بديلة ومستدامة. وفقاً للسفير الأميركي السابق مايكل راتني، فإن مشروع “ذا لاين” يبدو الآن هامشيًا بعد تقليص إنفاقه وحجمه، مما يعكس مدى التحديات التي تواجهها الرؤية الطموحة للمستقبل السعودي.  

السؤال الأهم هو: هل تملك السعودية الجرأة الكافية لإعادة توجيه استراتيجيتها الاقتصادية بعيدًا عن رهانات النفط؟ أم ستظل تعتمد على أساليب تقليدية قد لا تكون كافية لمواجهة التحديات المستقبلية؟  
الواقع يشير إلى ضرورة تبني سياسات جريئة وشجاعة للانتقال نحو اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامةً، عبر تعزيز القطاعات غير النفطية وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية فيها.  
وفي النهاية، فإن قدرة السعودية على إعادة توجيه مسارها الاقتصادي تتوقف على مدى قدرتها على اتخاذ قرارات جريئة ومبتكرة تتجاوز الاعتماد التقليدي على النفط وتبني رؤية واضحة للتحول الاقتصادي الحقيقي الذي يضمن مستقبلًا أكثر أمانًا واستقرارًا للأجيال القادمة.

أضيف بتاريخ :2025/08/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد