#تقرير_خاص: هل يُعقل أن يُترك مستقبل الأجيال على أعتاب المبادرات التطوعية؟

عبدالله القصاب
في ظل الرفاهية الظاهرة التي تتباهى بها السعودية، تظهر إحصاءات منصة “إحسان” المحلية واقعًا مريرًا يهدد مستقبل البلاد. فقد كشفت البيانات عن تجاوز عدد الطلاب الذين يعيشون تحت خط الفقر حاجز الـ70 ألف طالب في النصف الأول من عام 2025، وهو رقم يثير القلق ويضع علامات استفهام حول أولويات الإنفاق العام.
هذا المشهد المأساوي يعكس فجوةً صارخة بين الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن التنمية والعدالة الاجتماعية، والواقع المعيشي الذي يعاني فيه الكثيرون من نقص حاد في الحقوق الأساسية، خاصة حق التعليم. فبينما تُصرف المليارات على مشاريع استعراضية ومهرجانات رياضية ومبانٍ فارغة، يُترك الأطفال الفقراء لمبادرات خيرية تطوعية، لا تضمن لهم حقًا متساويًا في التعليم أو الحياة الكريمة.
منصة “إحسان” الوطنية للعمل الخيري بادرت إلى دعم هؤلاء الطلاب عبر برامج كفالة وتدريب وتأهيل وتوزيع وسائل تعليمية، لكن هل يكفي ذلك؟ هل يُعقل أن يكون التعليم في بلد غني كالسعودية رهينةً للمبادرات التطوعية والمنظمات غير الحكومية؟
إن الاعتماد على العمل الخيري كمصدر رئيسي لدعم الفقراء والطلاب المحتاجين يعكس خللاً كبيرًا في منظومة السياسات العامة. فحقوق الإنسان، وخصوصًا حق التعليم، يجب أن تكون من صلب أولويات الدولة وليس مجرد مبادرات تطوعية تُقدم بشكل استثنائي أو موسمي.
التعليم هو الركيزة الأساسية لبناء مستقبل قوي ومتقدم، ولا يمكن أن يُترك رهينةً للصدفة أو للجهود الفردية. فالدولة مسؤولة عن توفير بيئة تعليمية متكافئة تضمن حقوق جميع أبنائها دون تمييز أو استثناءات.
وفي الوقت الذي تُصرف فيه المليارات على مشاريع لا تخدم إلا مصالح ضيقة أو ترفيهية، يتعرض آلاف الأطفال للعوز والفقر دون ضمانات حقيقية لحقهم في التعلم والمعيشة الكريمة. هذا التفاوت الصارخ يطرح تساؤلاً حول مدى التزام الجهات الرسمية بحقوق الإنسان وخصوصًا بحق التعليم كمطلب أساسي من حقوق الإنسان العالمية.
إن ما يحدث اليوم يدعو إلى إعادة النظر في السياسات العامة وتوجيه الموارد بشكل أكثر عدالة وفعالية نحو تحسين ظروف الفقراء والمحتاجين، بدل الاعتماد على المبادرات التطوعية التي لا يمكنها وحدها سد الفجوة الكبيرة بين الأغنياء والفقراء.
ختامًا، إن مستقبل السعودية لن يبنى على المبادرات الخيرية فقط؛ بل يجب أن يكون مبنيًا على سياسات عادلة وشاملة تضمن حقوق الجميع وتوفر لهم فرص التعلم والنمو المتساوية. فالتعليم هو المفتاح الحقيقي للتنمية المستدامة، وليس مجرد شعار يُرفع عند الحاجة أو مناسبة معينة.
هل نُريد أن نبقى نُشاهد هذا الواقع المرير يتكرر كل يوم؟ أم سنعمل جاهدين لضمان حقوق أبنائنا وتعزيز العدالة الاجتماعية التي تعتبر أساس أي تنمية حقيقية ومستدامة؟
أضيف بتاريخ :2025/09/08