#تقرير_خاص : الضرائب والاحتكار: كيف يُمهد الفساد البنيوي الطريق أمام التهرب ويُعمق التفرقة الاجتماعية

علي الزنادي
في ظل السياسة التي تتبعها حكومة محمد بن سلمان لزيادة أعباء المواطنين بالرسوم والضرائب، يظهر الواقع أن الكثيرين بدأوا يبحثون عن بدائل للهروب من أعباء المالية، خاصة تلك المرتبطة بملف الأراضي البيضاء. فالإحصائيات تشير إلى ارتفاع ملحوظ بنسبة 50% في تسجيل الهبات العقارية خلال أغسطس الماضي، حيث لجأ المواطنون إلى منح أراضيهم لأقاربهم كوسيلة لتفادي دفع الضرائب أو الرسوم التي يراها الكثيرون محسوبة على غيرهم، وتذهب إلى خزينة الدولة بدلًا من تحسين أوضاعهم المعيشية.
هذه الظاهرة تكشف عن ثغرة قانونية هامة تسمح بتمرير الأراضي كهبات بين الأقارب دون دفع ضرائب التصرف العقاري، مما يبرز فشل النظام في إدارة ملف العقار بشكل عادل وشفاف. إذ يُظهر هذا التساهل أن النظام يفتقر إلى آليات فعالة لمراقبة التهرب، ويترك المجال للاحتكار والتحايل بين كبار الملاك والأمراء الذين يستغلون الثغرات، سواء من خلال صفقات شكلية أو بتوزيع الملكيات بين شركاتهم، في مشهد يكشف حجم الفساد البنيوي المستهتر بمصلحة الشعب.
الأزمة لا تقتصر على قضية الضرائب فحسب، بل تتعداها لتُعبر عن سياسة مناطقية عميقة، حيث يتركز احتكار الأراضي بشكل كبير في مناطق مثل الرياض والمناطق النجدية، بينما تعاني مناطق أخرى كالأحساء والقطيف والجنوب من أزمة سكن خانقة وتهميش متواصل، وهو ما يعكس توزيعًا غير عادل للفرص والموارد.
هذه السياسات تُظهر أن فرض الضرائب والرسوم على المواطنين البسطاء يهدف في كثير من الأحيان إلى زيادة إيرادات الدولة بشكل غير عادل، دون أن تتوافر الضمانات لمواجهة التهرب والاحتكار من قبل كبار الملاك والأمراء. فبينما يُجبر المواطن العادي على دفع كل ما عليه، تُمنح فئات معينة إعفاءات وتسهيلات، في انتهاك صارخ لمبدأ العدالة الاجتماعية.
إن ما يحدث يعكس أيضًا سياسات مالية تهدف إلى إبقاء طبقة الأغنياء والأثرياء في وضعية مهيمنة، في حين يتم إضعاف السكان العاديين، الذين يقاسون من ارتفاع أسعار الأراضي والضرائب، ويجدون أنفسهم محاصرين بين غلاء المعيشة وقوة النفوذ التي تتمتع بها مافيا العقارات.
هذا الواقع يضر بشكل مباشر بمستقبل الوطن، ويقوض الثقة في المؤسسات الحكومية، إذ يضاعف الشعور بالظلم والكراهية بين فئات المجتمع، ويزيد من تفاقم التفاوتات الاجتماعية، ويهيئ بيئة خصبة للفساد المستشري الذي يعرقل التنمية الحقيقية.
وفي ظل هذا المشهد، يطرح سؤالاً حيويًا: لماذا يُفرض على المواطن العادي دفع الضرائب ويُعفى الأثرياء والأمراء من التزامات مماثلة، مع بقاء أبواب التهرب والتحايل مشرعة على مصراعيها؟ هل يمكن أن يتحقق العدالة والشفافية في ظل أنظمة تكرس الاحتكار والتفرقة الاجتماعية؟
إن الإصلاح الحقيقي يتطلب إعادة نظر جذرية في السياسات العقارية والمالية، مع فرض قوانين صارمة لمكافحة التهرب، وتعزيز آليات الرقابة على عمليات التملك والصفقات العقارية. كما يتطلب الأمر توزيعًا عادلًا للثروات والفرص، وتوجيه موارد الدولة نحو تحسين ظروف المعيشة.
أضيف بتاريخ :2025/09/11