التقارير

#تقرير_خاص: تطبيع اقتصادي صامت في ظل العواصف السياسية: ماذا يخفي التقارب السعودي الإسرائيلي؟

عبدالله القصاب

في خضم موجة الغضب العالمية والعربية إزاء المجازر التي تتواصل في غزة، تتكشف حقائق جديدة تنذر بتغيرات جذرية في المعادلة الإقليمية والدولية، لكنها تتم بعيدًا عن الأضواء وبتكتم تام. تتجلى هذه التغيرات في تقارب اقتصادي سريع وواضح بين السعودية والكيان الإسرائيلي، رغم غياب أي إعلان رسمي أو تفاهمات علنية. هذا التحول يطرح تساؤلات عن ملامح استراتيجية جديدة تُهيئ المنطقة لمراحل قد تكون مختلفة عن التصريحات الرسمية.

كشف تقرير حديث عن استثمارات سعودية متنوعة في شركات إسرائيلية، بعضُها مرتبط بشكل مباشر بالاحتلال الإسرائيلي، عبر قنوات تمويل غير معلنة بشكل رسمي. من أبرز الجهات الممولة يبرز صندوق جاريد كوشنير، الذي يوفر شبكة تمويلية مهمة لقطاعات اقتصادية حساسة وتكنولوجية. هذا الدعم المالي السري يُعبر عن مدى توسع النفوذ السعودي في مجالات حيوية تعتمد على التكنولوجيا والأمن السيبراني والطاقة، التي تتفوق فيها إسرائيل على العديد من الدول.

وفي سياق آخر، يتزامن هذا التقارب الاقتصادي مع ما يُعرف برؤية 2030، التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وترتكز على تحقيق تنمية ووفرة اقتصادية من خلال تطوير قطاعات يُبرع فيها الكيان الإسرائيلي. فالرؤية تعتمد بشكل متزايد على مجالات التكنولوجيا الحديثة والطاقة المتجددة والأمن السيبراني، وهي قطاعات أساسية توجد فيها إسرائيل بموقع ريادي، مما يعكس توجهًا استراتيجيًا مربطًا بالاقتصاد مقابل انسحاب تدريجي للدبلوماسية في ملفات المنطقة الحساسة.

يبدو أن رأس المال السعودي يتقدم بصمت، مستفيدًا من حالة الانشغال والتوتر الناتجة عن الصراع في غزة، بحيث يحقق مصالح اقتصادية دون الحاجة إلى إعلان رسمي عن تطبيع أو علاقات علنية مع إسرائيل. هذا التحول يعكس استراتيجية استدامة تتجنب بريق الإعلام والديبلوماسية الرسمية، وتفضل العمل من الخلف، في محاولة لبناء شبكة علاقات اقتصادية قوية يصعب تقويضها بسهولة.

هذه السياسات الجديدة تثير تساؤلات أخلاقية وسياسية، عن مدى تطابقها مع المبادئ التي طالما تذرعت بها بعض الدول في رفض التطبيع، ورفض التعاون مع الاحتلال. يبدو أن مصالح المال والاستثمار تتجاوز الآن الكثير من المبادئ، وتبحث عن مكاسب اقتصادية واضحة، بغض النظر عن الظروف السياسية والأوضاع الإنسانية المحيطة.

وفي ظل هذا الواقع، تتغير قواعد اللعبة، إذ يصبح الاقتصاد أداة لتعزيز النفوذ، وتوسيع الدوائر التي يمكن أن تتعامل رسميًا أو غير رسمي مع إسرائيل، بشكل قد يعقد من فرص الحلول السلمية للأزمات، خاصة أن التغلغل الاقتصادي يخلق شبكة مصالح يصعب تفكيكها، ويمنح أطرافًا عدة أوراق ضغط إضافية.

ومن جهة أخرى، فإن هذا التقارب يُعد بمثابة رسالة ضمنية قد تصل إلى المجتمع الدولي، مفادها أن المصالح الاقتصادية أحيانًا تفوق الخلافات السياسية، وأن التحالفات ربما تتغير وتُبنى بشكل لا يتناسب مع الصورة التقليدية للعلاقات الدبلوماسية، وهذا يطرح سؤالًا حول فعالية الضغوط الدولية في مواجهة هذا النمط من العلاقات التي تُبنى خلف الكواليس.

وفي الختام، يبقى المشهد مشحونًا بالتعقيد، مع استمرار النزاع وتطورات المنطقة، وسط تتبع دقيق للتحركات الاقتصادية التي تُعدّ بمثابة مؤشر إلى مستقبل خفي لسياسات المنطقة، قد يحمل معه تحالفات غير معلنة، وتوازنات جديدة.

أضيف بتاريخ :2025/10/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد