#تقرير_خاص: رسوخ السلطة واغتصاب المشهد الديني في السعودية: هل تنجح رؤية ابن سلمان في التوازن بين السياسية والدينية؟

علي الزنادي
يعيش النظام السعودي في حقبة جديدة تتسم بمحاولة ابن سلمان لترسيخ سلطته داخل البلاد، عبر استراتيجيات سياسية واقتصادية تهدف إلى إخضاع المؤسسة الدينية وإخراس الأصوات المعارضة. فالصورة المعارضة للسيطرة السياسية تظهر من خلال وضع قيود مشددة على كبار رجال الدين، حيث تم تهميش الشيخ صالح الفوزان، وتقليص ظهوره الإعلامي، ومصادرة فتاواه كي تتماشى مع الرؤى السياسية الجديدة التي يبتغي ولي العهد فرضها على المجتمع.
تتكرر نماذج القمع، ولا تتوقف عند رموز دينية كبيرة فقط، بل تتعداها إلى ملاحقة رجال الدين الذين يطالبون بحقوق اجتماعية أو يعبرون عن آرائهم بشكل مستقل، كما حدث مع الفقيه السيد هاشم الشخص في المنطقة الشرقية، التي تشهد تاريخياً مقاومة لسياسات السلطة. ذلك يعكس صورة واضحة عن استهداف أي صوت يعارض التوجهات الرسمية، وانعدام مساحة لممارسة الفكر الديني المستقل، خاصة في ظل تقييد حرية التعبير وإغلاق المجال أمام الانتقاد.
من ناحية أخرى، يبدو أن الرياض تسعى لتوظيف الدين كأداة للنفوذ الخارجي عبر رسم صورة للمشهد الديني يتوافق مع مصالح الغرب، من خلال التحكم في رموز المؤسسة الدينية وتوجيهها بما يُرضي المجتمع الدولي. فالسعودية تضع ملامح جديدة لخطابها الديني، تنتقص من دور رجال الدين المستقلين، وتعمل على تقييد فتاواهم لتصفية الحسابات السياسية، مما يعكس تحولاً جذرياً في علاقة المملكة مع الدين عامةً.
هذه السياسة، رغم أنها تُعزز من قبضة ابن سلمان على السلطة، تثير تساؤلات بشأن مستقبل شرعية النظام داخلياً، خاصة مع تصاعد الاحتجاجات والضغوط الاجتماعية، في حين أن توازن المملكة بين السيطرة السياسية والشرعية الدينية يظل رهناً بكيفية إدارة تلك الديناميكيات المتشابكة.
هل يمكن لبنية تعتمد على قمع الحريات الدينية واحتواء المؤسسات الدينية التقليدية أن تستمر في تحقيق الاستقرار على المدى الطويل؟ أم أن ذلك قد يؤدي إلى توترات داخلية، تتجاوز حدود السيطرة، وتُعقد المشهد السياسي والاجتماعي بروافدها؟
وفي ظل هذا الواقع، يبرز تساؤل أساسي: هل ستنجح السعودية في رسم حدود واضحة بين النفوذ السياسي والهيمنة الدينية، أم أن التنازع بين السلطة الدينية والسياسية سيظل قائماً، يهدد بتقويض المشروع الإصلاحي القائم على قمع كل من يعارض؟
إن محاولة ابن سلمان تحويل الدين إلى أداة تخدم رؤيته للسلطة، قد تؤدي إلى نتائج كارثية على المدى البعيد، حيث يتوقف استدامة الحكم على مدى قدرته على إقناع المجتمع بنظرية الشرعية الدينية التي يُروّج لها، في ظل استمرار التضييق على الحريات الدينية والاجتماعية.
وفي النهاية، يبقى السؤال مفتوحاً حول مدى قدرة السعودية على التوفيق بين هيمنتها السياسية الساعية إلى تحديث المملكة، وبين انتظارها لشرعية دينية تفرض من خلالها السيطرة على القلوب والعيون. فهل ستنجح في بناء شرعية دينية موازية لسلطتها السياسية، أم أن هذا المسعى سيقود إلى مزيد من التوترات والصراعات داخل المجتمع السعودي؟
إن الموقف الحالي يظهر أن معركة السيطرة على المشهد الديني ليست مجرد صراع على النفوذ، وإنما هي حجر الزاوية في مستقبل المملكة، إذ أن استدامة السلطة تتوقف على قدرة النظام توسيع نفوذه الديني.
أضيف بتاريخ :2025/10/04