التقارير

#تقرير_خاص: محمد بن سلمان والعبث في لعبة النفوذ

عبدالله القصاب

في خضم التصعيد الإقليمي والدولي، يبدو أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يحاول أن يتقمص دور اللاعب الحذر والمتزن، مُظهرًا قدرة على الصمت الاستراتيجي في مواجهة إدارة ترامب. غير أن الواقع يكشف أن هذا الصمت ليس إلا قناعًا لواقع أكثر تعقيدًا، يتحكم فيه منظومة من المعادلات التي تضع السعودية في مكانة التابع، والولايات المتحدة في موقع السيد.

علاقة بن سلمان بترامب لم تكن منذ البداية على أساس الشراكة الحقيقية، بل اتسمت بأنها علاقة تعتمد على أدوات وليس على خيارات حرة. ترامب لم يعامل ولي العهد كطرف فعال وذو وزن مستقل، بل كصانع تنفيذ لأجنداته، من الصفقات العسكرية إلى تمرير مشاريع سياسية خطيرة مثل “صفقة القرن”. هذه المعادلة تُبرز أن الرياض، برغم مظهر القوة الاقتصادية والنفوذ الإقليمي، لا تتعدى أن تكون أداة في يد واشنطن لإدارة ملفات حساسة.

وفي ظل اعتماد السعودية على خلف الكواليس، وغموض التصريحات والمواقف، يبدو أن بن سلمان يحاول وضع قناع الحزم والصلابة، لكنه، في العمق، يعتمد بشكل غير معلن على استراتيجيات تعتمد على التهديد والضغط بدلاً من السيادة الحقيقية. التصريحات المثيرة، مثل حديث بوب وودوارد عن شراء قنبلة نووية من باكستان، تكشف عن منطق يعتمد على الابتزاز والتسليح، وليس على بناء مقومات دولة ذات سيادة.

أما خطط السلام التي أطلقها ترامب بشكل متسرع، وبعيدا عن استشارة الشركاء الحقيقيين، خاصة العرب، فإنها تكشف عن أن السعودية تُستخدم في المشاريع الأمريكية كواجهة لتجميل صورة مشروع منتهٍ أصلاً، وليس كفاعل رئيسي في رسم مستقبل المنطقة. فالفشل الأمريكي في التعامل مع الأزمات الكبرى جعل السعودية، رغم مداخلاتها الدبلوماسية، مجرد أداة تنفيذ.

وفي ظل هذا السياق، يبرز السؤال المركزي: هل يُعقل أن يبقى ابن سلمان في عباءة الطاعة، مرتاحًا في موقع “الزبون المميز” في نظر واشنطن، بينما يفقد بالتالي ورقته التفاوضية ويصير أكثر عرضة للمساومات الخارجية؟ أم أن عليه أن يتخذ موقفًا أكثر استقلالية، يضع مصلحة بلاده فوق كل اعتبار، ويعيد بناء ثقته بنفسه كزعيم حقيقي يملك قرارًا مستقلًا؟

إن استسلام السعودية للعبة النفوذ الأمريكية، برغم ظهورها بمظهر القوة، يهدد بمزيد من تآكل استقلال قرارها السياسي، ويجعل من دول الخليج مجرد أدوات في صراع الأقطاب الدولية، بدلاً من أن تكون لاعبين فاعلين. ولعل السنوات المقبلة ستكون حاسمة، لتحديد مدى قدرة ابن سلمان على استعادة موقعه كقائد حقيقي، أو أن يظل أسير شبكة العلاقات التي تقيد حركته، وتُضعف من قدرته على تحقيق مصالح بلاده.

ختامًا، يجدر بنا أن نلفت الانتباه إلى أن لعبة النفوذ تتطلب من اللاعب أن يملك زمام أمره، وأن يكون على قدر من الصلابة السياسية، لا أن يكتفي بالصمت والانتظار. فالصمت في مواجهة القوي، إن لم يُرافقه تحرك واستراتيجية واضحة، يكون في النهاية بمثابة اعتراف بالهزيمة المبكرة، ورفض حقيقي لحق السعودية في أن تكون فاعلًا مستقلًا في رسم مستقبلها، وليس مجرد أداة في يد من يتحكم في مسار المنطقة.

أضيف بتاريخ :2025/10/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد